قوله سبحانه : (عَذابَ الْخُلْدِ) ذو رقيقة ، ذلك أن الصفة خالدة لأن ربها خالد ، وما دام المحجوب محجوبا بصفته فهو بالتالي خالد خلود صفته ، كما أن حجابه خالد خلود صفته الحاجبة ، وذهبت الصوفية في تفاسيرهم مذهبا يقول إن تواؤم الصفة والموصوف يجعل الموصوف في اتفاق مع الصفة فيكون العذاب عذوبة كما قال ابن عربي : يسمى عذابا من عذوبة طبعه ، وقال جلال الدين الرومي : لما كان الكفار قد جاؤوا من جنس سجين فإن سجن الدنيا وافق هواهم ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر).
١٥ ـ (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥))
[السجدة : ١٥]
السجود السجود لله ، أي وضع الجبهة التي خلفها الدماغ والأنف الذي فيه النفس على الأرض التي هي أرض الله ، فيكون الإنسان بهذا قد أسلم نفسه ونفسه ـ بفتح الفاء ـ وفكره لله صاحب النفس والنفس والفكر ، فيكون الإنسان بهذا قد أتم سجوده وأقام الصلاة.
١٦ ـ (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦))
[السجدة : ١٦]
الآية تصف مجاهدات السالكين الشاقة والكثيرة ، ويعد الصوفيون أشياخا كبارا في وصف طريق المجاهدات ، كما فعل الإمام الغزالي في الإحياء ، وفريد الدين العطار في منطق الطير ، والقشيري في الرسالة القيشيرية ، وسير الصوفية حافلة بمجاهداتهم من أجل الوصول إلى الله ، وتعد حياة رابعة مثلا يحتذى لامرأة تجافى جنبها عن المضجع وقامت الليل مسبحة لله ، هائمة به حبا ، شاكرة لأنعمه وأنواره.
١٧ ـ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧))
[السجدة : ١٧]
قوله : (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) [الفرقان : الآية ٧٤] يعني الوصول إلى عين الجمع حيث تقر الأعين بالعين الجامعة الواحدة التي هي العين الإلهية وبدلا من أن ينظر الإنسان إلى الكون بعينه ينظر بتلك العين الجامعة ، أي ينظر ثمت بعيون كثيرة ما دامت العين الإلهية هي مجموعة العيون أو الأعيان ، ومتى وصل الإنسان هذا المقام استراح وأيقن واستسلم وقرت عينه فهو في رياض العلم يحبر.
١٨ ، ٢٠ ـ (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠))
[السجدة : ١٨ ، ٢٠]