وفي مجال الحديث عن الأفئدة ، والفؤاد مركز الوعي والتفكير لدى الإنسان ، تبين تماما أن من المستحيل جعل الحاسوب يفكر ، وأنه ما من قوة تجعله يبلغ هذا المستوى ، وأن ما يميز الإنسان عن الحاسوب هو قدرته على التفكير ، فإذا تذكرنا كوجيتو ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود ، علمنا قيمة هذه الخاصية الموجودة لدى الإنسان التي رفعته فوق جميع المخلوقات وجعلته سلطانها العظيم.
١١ ـ (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١))
[السجدة : ١١]
التوفي رد النفوس الجزئية إلى النفس الكلية ، فالجزء لدى التحاقه بالكل يصير كليا ، والأصل انشطاره من الكلي ليمارس فتق إمكانات الصفة التي لا تفتق من غير موصوف تكون فيه ، أي من غير حيز تكون فيه ، وهذا ما فصلنا الكلام فيه من قبل ، فالعالم متخارج متباطن ، يخرج الجزئي من الكلي ثم يعود إليه وفي هذا التخارج تكون الصفات قد ظهرت وظهر بالتالي اسمه تعالى الظاهر.
١٢ ـ (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢))
[السجدة : ١٢]
مصير الموصوف إلى الصفة كما أوضحنا ، ولهذا فإن مقام الفناء لدى الصوفية يعني أن الموصوف فان بالصفة لأنها أصله وقوامه والصفات فانية بالله لأنه أصلها وقوامها ، ويتبين الإنسان هذه الحقيقة ساعة الموت إذ يرى ملك الموت وهو مليك الصفات قد جاءه في صورة صفته ليسترد عاريته ، ويأخذ الذعر المجرم صاحب دعوى الأنا حين يتبين أن ليس له من أنيته وكيانه المادي شيء ، وأن الله هو الوارث.
١٣ ـ (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣))
[السجدة : ١٣]
يفعل الله عن طريق الربوبية في النفس ما يشاء. فالربوبية ، وهي مجموعة الأسماء المربية ، تفعل وتهدي وتوجه المربوبين شمالا ويمينا ، وهذا مشاهد في المكاشفة التي ذاقها السالك المجتبى ، فإذا أراد الله أن يهدي الناس جميعا حقق ذلك عن طريق أسماء الجمال فقط ، ولو أراد أن يضلهم جميعا لفعل هذا عن طريق أسماء الجلال ، ولما كان الجمال والجلال صنوين وتوأمين لا يفترقان وجب خلق الناس فريقين فريقا للنعيم وفريقا للجحيم.
١٤ ـ (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤))
[السجدة : ١٤]