بالإضافة إلى مركز البصر في القشرة الدماغية مراكز ثانوية مرتبطة بالمركز الرئيسي ، فالمنظر الخارجي له مثلا خلايا عصبية خاصة لمعرفة إضاءته وخلايا لمعرفة عمقه وخلايا تميز لونه ، ولقد اكتشف مكان بعض هذه الخلايا بينما ما زال أكثرها مجهولا .. ثم أعلنت العلماء أن مجرد تمييز صورة ثور من حمار يحتاج إلى سلسلة من العمليات المعقدة ينفذها الدماغ بزمن قياسي في القصر ، وأن الحاسوب بحاجة إلى دراسة طويلة جدا حتى يستطيع بلوغ مستوى إبصار العين وإدراك الصور.
وثمت رابطة بين المعقولات الواردة عن طريق البصر والمعلومات المدركة التي سبق للإنسان أن صنفها ووعاها ، فلقد أبصر مثلا أعمى ظل فاقد بصره عشرين عاما ، فإذا به يعاني مشكلة لا حل لها ، فهذا الأعمى كانت لديه معلومات تكونت عن طريق حاستي السمع واللمس ، فلما أبصر ذعر مما رآه من الصور ولم يستطع عقله أن يدرك ما يرى ، أي أن عقله الذي كان يستجيب لمؤثرات حاستي اللمس والسمع عنده لم يستطع أن يستجيب لما قدمته إليه حاسة البصر ، ولقد حاول الرجل جاهدا احتواء المعلومات الصورية الواردة إلى عقله ، ولكن عقله تعب حتى أن الرجل أعلن أن العملية لا طائل تحتها .. كما سئل الرجل عن حاله لما رأى وجهه في المرآة فقال لقد أصابتني دهشة عظيمة ، ثم خفت ، وبلغ من خوفي أني لم أعد أريد أن أرى وجهي في المرآة ثانية.
فالتأثير وردود الفعل العصبية والمدركات العقلية عملية عظيمة يعيشها الإنسان بصورة طبيعية جاهلا في الوقت نفسه مدى عظمتها وأسرار هذه التقنية الرائعة.
وفي عالم السمع تحدثنا عن عالم الوطاويط ، وكيف أن الوطاويط الأم تميز صغارها من أصواتها ، وقلنا إن هذا يعني أن لكل وطواط صغير صوتا موسيقيا يميزه من سواه ، وهذا الصوت نقلته أذن أمه إلى مركز السمع في الدماغ على شكل إشارات كهربائية عبر عصب السمع ، وسجل في تلك الخلايا كما تسجل الألحان على أشرطة الموسيقى .. أي أنه في عالم السمع يجري تماما ما يجري في عالم البصر ، وأن ثمة معلومات مقدمة من الخارج تطبع في الذاكرة السمعية وتحفظ وتسهم عند الحاجة إلى عملية التمييز الصوتي والإدراك.
وقلنا في كتابنا الإنسان الكبير إنه لم يعرف حتى الآن كيف تنقل المعلومات عبر الأعصاب على شكل نبضات كهربائية ، ولا كيف تطبع هذه المعلومات في الخلايا العصبية ذات العلاقة ، ولا كيف تنبه هذه الخلايا فتقدم ما لديها من معلومات إلى الإنسان والحيوان للاستفادة منها عند الضرورة.