الظاهر ، ولقد تحدثنا من قبل عن أن الاستبطان يكشف وجود المطلق الذي هو الملهم ، فالإلهام هو التدبير.
أما اليوم الإلهي الذي هو اللازمان والذي هو أصل الزمان فهو هنا الوجود المطلق فيكون الله المدبر من قبل الزمان وبالزمان.
وقوله : (مِمَّا تَعُدُّونَ) له نكتة ، ولقد تحدثنا عن الزمان النسبي الذي أوضح حقيقته إينشتاين ، فقال إن الزمان المعروف زمان إنساني أي من اختراع الإنسان الذي حسب وطابق بين دوران الكواكب حول الشمس ، ودوان القمر حول الأرض ، فاستنبط منهما التقويم الشمسي والتقويم القمري ، وعلى الرغم من أن هذا الحساب إنساني إلا أنه يعتمد القانون الفلكي نفسه وهذا ما عبر عنه سبحانه قائلا : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩)) [يس : ٣٩] وقال : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [يونس : ٥].
٧ ، ١٠ ـ (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩) وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠))
[السجدة : ٧ ، ١٠]
الخلق الإلهي يعتمد المثل ، والمثال في الفلسفة هو الأفضل والأكمل وإلا لما كان مثالا ، وعليه فالوجود العياني مخرج وفق خلق مثالي صوري هو من الكمال في الغاية مما جعل الغزالي ولا يبنتز يقولان ليس في الإمكان أبدع مما كان.
وقوله سبحانه : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) يعني الجانب النفسي من الإنسان ، وهو الجانب المتعلق بعالم العناصر ، ولهذا قيل في الفلسفة إن النفس تطلب الجسد ، ومن دون الجسد لا تكون ، ولهذا سمينا هذه النفس النفس الحيوانية والنفس المادية والنفس الترابية ، فالإنسان نفس مادية ، وهذا جانبه الحيواني المسمى حواء ، أما الشق الأخر فهو روحاني قديم نفخ في آدم ، ومن الوالدين خرج النسل العظيم.
أما السمع والأبصار والأفئدة فالعلم الحديث يكشف اليوم أسرار عملية الإبصار التي كان يظن في الماضي بأنها عملية بسيطة ترتبط بالعين وعصب البصر ومركز البصر في الدماغ ، حتى إذا حاولت العلماء أن يجعلوا الحاسوب يبصر تبين لهم كم العملية معقدة ، وكم يبلغ جهل العلم أسرارها ومداها ، فالحاسوب مثلا لم يستطع أن يرى بواسطة عدسة ثبتت عليه سوى أشكال بسيطة بالقياس إلى ما تراه العين .. ثم تتبعت العلماء عملية الإبصار بدقائقها فإذا هناك