وحددت الساعة الصغرى بحوالي الأربعين من عمر الإنسان ، وسماها سبحانه بلوغ الأشد ، وفيها ينكشف للمراد حقيقة الغيب ، وكيف يقوم الوجود وما فيه ، ثم يغيب المشاهد في الشهود فلا يرى إلا الله ذاتا وأسماء وصفات وفعلا.
والغيب العلوم اللدنية المنهمر ماؤها على قلب العارف لدى قيام ساعته ، والتجربة وصفها الله في سورة المزمل قائلا : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) فلله رجال اصطفوا للعلوم وخصوا بالرسالات وهم الأنبياء والورثة الأولياء.
وما في الرحم هو المعقول مضمر كالفرخ في البيضة ، والله هو العليم بنوعية الفرخ وهو في البيض المكنون ، فاسم العالم فرخ عالم وهو ما يزال في رحم أمه ، وكذلك كل ما في الوجود من أسماء صفات وأسماء أفعال ، والله هو المقدر ما يكون في الأرحام ، وتقديره تقدير العليم بمتطلبات الوجود ومقتضياته ، فإنسان للعلم وآخر للعمل وثالث للقتال ورابع للهدى وخامس للضلال وسادس للرفع وسابع للخفض ، قال عبد القادر الجيلاني : الله يسمى المضل كما يسمى الهادي ، فالطائع متحقق بصفة الهداية ، والعاصي متحقق بمصير الضلال ، وهما أمام الحق سواء ، والكسب متعلق بمصير الفرخ بعد فقس بيضته ، وكل ميسر لما خلق له.