٣١ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١))
[لقمان : ٣١]
قلنا الفلك فلك المعقولات العائم في بحر المادة ، وقلنا بطنا ثانيا إن الفلك هو البدن الذي يحمل المعقول أيضا في بحر المادة المطلقة. فالفلك نعمة الله لأنه المظهر للمعقول والمحسوس ، والمظهر ـ بفتح الهاء ـ الإنسان والظاهر الحق سبحانه ، فالفلك مركب إلهي للظهور حسا وروحا ، ولهذا جاء في نعته أنه آية من آيات الله.
٣٢ ـ (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢))
[لقمان : ٣٢]
الموج بمثابة الأفكار السوء التي تهيج كما الموج في يوم عاصف ، ولا يستطيع الإنسان أمام هذا الطغيان الفكري سوى الاستسلام ولهذا كان الإنسان ضعيفا ، ولا ملجأ للإنسان من طغيان أفكاره سوى الله ، ولهذا قال عليهالسلام : ما أفاد العبد شيء كالإيمان ، فالإيمان جنة يتفيأ المؤمن أشجارها من المعقولات الثابتات الهاديات ، أما الجاحد ، فهو ينسى الله الذي دعاه واستغاثه فأنجاه من عواصف أفكاره الهوج ، ويعود إلى جبروته وأنيته ناسيا من كان معه في الضراء وفي الشدة.
٣٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣))
[لقمان : ٣٣]
الوالد الروح والمولود القلب حامل الصفة ، فالروح يلد الصفة ، والقلب يحملها ويظهرها بالفعل ، ومع هذا فلا الروح يفيد القلب ، ولا القلب يفيد الروح حقا ، لأن كليهما من أمر الله وبأمر الله ، فلا تقف عند القلب وتقول المعنى فيه ، ولا تقف عند الروح فتقول المعنى فيه ، وتجاوز الكثرة والواحد إلى الأحد ، كما قال سبحانه : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] أي الذات الصرفة والهوية المطلقة أصل كل شيء وخالق كل شيء.
٣٤ ـ (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))
[لقمان : ٣٤]
خص الله نفسه بأمور لا يعلمها إلا هو ، ومنها علم الساعة ، والساعة كما كنا ذكرنا صغرى للمجتبين المرادين ليذوقوا الكشف وليعرفوا الله فهي ساعة إلهية لا يعلمها إلا هو ، وعند ما ظهر جبريل للنبي ظهر بأمر الله ، إذ ليس جبريل كما قالت الصوفية سوى حكمة الله وقدرته ،