(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل : ١٢٥].
فالمجتمع الإسلامي نظام كامل ، إن أغفل بعضه هوى كله ، ولهذا أمر الله المسلمين بأن يقيموا الحدود ... أما أن يكون الحديث تزجية للوقت وانتقاد الآخرين دون تنبيههم على أغلاطهم أي النصح لهم ، والخوض في الحديث عن قضايا هي فوق طور العقل الإنساني وأبعاده فهذا ما سماه سبحانه لهوا ونهى عنه.
وقوله سبحانه : (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) يعني غير المؤمنين من المنافقين بخاصة الذين يظهرون الإسلام ويبطنون خلافه ، وهؤلاء يستهزئون ، يسمعون كلام الله ثم يستخفون به ويجعلونه وراءهم ظهريا ، والله يستهزئ بهم بدوره ، لأن من لم يكن لله نصيرا فهو بالضرورة للقرين نصير.
١٠ ، ١١ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١))
[لقمان : ١٠ ، ١١]
لا عمد للسموات ، إذ العمد أشياء حسية ، والسموات ليست شيئا حسيا ، بل هي أساس الحس والمحسوسات وعالم العيان ، فالسموات المعقولات التي قلنا إنها مشعة عن الروح الصادر بدوره عن الذات الخالصة ، وقول أرسطو في هذا الصدد : ليست النفس في الجسم بل الجسم في النفس ، لأن النفس أوسع ، هذا القول يجلو أبعاد الروح ، وكيف أنها هي البداية والأرضية والأساس ، وهذا ما أوضحه هيغل وشرحه وألح عليه ، والرواسي الثوابت من المعقولات من الأخلاق التي سماها كانط القانون ، والتي هي دليل الإنسان في ظلمات دنياه ، والناس قد يختلفون في أي شيء إلا في الكليات الأخلاقية ، فلا يختلف اثنان في أن الصدق والعدل والتضحية هي قواعد مسلم بها متفق على أهميتها ، والتي لا يمكن للإنسان أن يحيا من دونها. وقلنا في كتابنا الإنسان الكامل إن الأطفال والحيوانات يشعرون بهذه القواعد الأخلاقية وينشدونها ويعاملون الآخرين على أساسها ، والله هو خالق هذه القواعد الرواسي ، ومن دون الله ما كان لهذه القواعد أن تكون ، وفي روايتنا (ذات الساق المبتورة) قلنا أن لو أراد الله أن يجعل قواعد الأخلاق غير ما هي عليه وضد ما هي عليه لفعل ، ولكم حاولت فلاسفة وحكاما أن يضعوا للعالم قواعد بديلة كنظرية القوة لنيتشة والنظرية العرقية فما استطاعوا ، ولئن تبنت البشرية نظرية من هذه النظريات البديلة لتبين لها عند التطبيق خطلها ونقصانها وفسادها وعدم صلاحيتها للحياة فاستبدلوها وعادوا إلى القواعد الأصيلة القديمة.