١٢ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢))
[لقمان : ١٢]
سبق أن أوردنا حديث رسول الله : إذا أخلص العبد لله أربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، فالحكمة إذن إلهية ولا تستخرج من بطون الكتب والمجلدات ، ولئن استخرجت ما انتفع بها إلا لدى تطبيقها ، فالفعل المهم لا السماع ، ولكم شهد التاريخ حكماء أميين لا يقرؤون ولا يكتبون وفي مقدمتهم النبي محمد نفسه ، ومنهم لقمان الذي عرف بالعلم والديانة والإصابة في القول والحكمة ، وحكمه كثيرة مأثورة.
والشكر نتيجة تحقق العبد بأن الله خالق كل شيء ومن ذلك الأخلاق ، ولقد تحدثنا عن تحقق الصوفية بأنهم ليس لهم من الأمر شيء ، وأن الفضل فضل الله ، ونبهنا في كتابنا الإنسان الكبير على خطر داء العجب الذي يصيب معظم العلماء الذين يتباهون بعلمهم ولا يردونه إلى الله ، ولا يعلمون أنه لو لا الله ما طلبوا العلم ، ولا سلكوا طريقه ، ولا كانوا علماء ، فإن لله الدواعي ، والداعية في القلب ، فالعالم عالم بالقوة وهو ما يزال في بطن أمه وهذا من فعل الله وفضله.
ولقد تحقق لقمان بفضل حكمته الذوقية بأن الله هو الوهاب وهبه الحكمة وعلمه ، وتحققه هذا اقتضى تقديم الشكر لله ، وقوله : (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) [النّمل : ٤٠] ، يعني دراسة الحكيم نفسه ومعرفته لها ، وأنها مرآة إلهية ، فإذا عرفها عرف ربه ، فكان الشكر للنفس لأنها كانت الطريق إلى الله ومعرفته.
١٣ ـ (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣))
[لقمان : ١٣]
الشرك أن تنتزع من الله حقه فتجعله إليك أو إلى الناس من حولك ، فإحسان المحسن يراه المحقق فعل الله ، فلو لا داعية الإحسان لما أحسن المحسن ولعد العطاء غباء ، وفي الأمثال فلان أحمق في ماله أي هو محسن لا يبالي أمسك المال أم أنفقه ، ولما عاد الإمام الشافعي إلى المدينة من اليمن ، بعد أن شغل منصب القضاء هناك سنين ، جلس في فناء الحرم ، وبسط عباءته ، ونثر عليها الدنانير التي جمعها من رواتبه ، وجعل يوزعها على الفقراء ، ثم نهض ورجع إلى عبادته وعلمه.
١٤ ، ١٥ ـ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي