المضرة إشارة إلى دور الفساد هذا ، إذ كل أمر منوط به تعالى ولهذا كان من أركان الإسلام الإيمان بقضاء الله خيره وشره من الله تعالى ، فما يرى من شر هو بأمره والغاية الخير وإلا لما وجد ، وظاهرا يبدو الدور الذي تلعبه الحيوانات المفترسة ضارا ووحشيا ، وباطنا وكما تعرف العلماء فهذا الدور هو جزء من النظام الوجودي الطبيعي المتكامل ، ويتوجب فيه على الحيوان المفترس أن يلعب دوره ويأكل الضعيف من الحيوانات الأليفة فيكون بذلك قد حافظ على النسل قويا ، كما أنه بأكله صغار الحيوانات الأليفة يبقي نسبة التكاثر محدودة ، فلا يطغى آكل مأكولا لا من الحيوان ولا من النبات ، وفي عالم البشر لو لا الشر لما استيقظ الخير ومارس دوره فعرف به صاحبه وعرف.
٥٢ ، ٥٣ ـ (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣))
[الروم : ٥٢ ، ٥٣]
الآية تذكر بقوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) [الأعراف : ١٨٦] ، فالعبرة بالباطن والاسم الحاكم والأسماء لله ، فإذا سمعت الأذن خبرا لا يوافق هوى القلب تصامم القلب عن سماع ما نقلته الأذن ، كحال من يسمع الأذان وقلبه معلق بالحان ، فالإنسان قلب وأذنان ، فالقلب للباطن ، والأذن للظاهر ، والإنسان جسر بين الباطن والظاهر لا يفترقان.
٥٤ ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤))
[الروم : ٥٤]
الضعف العقل وهو بعد صفحة بيضاء كعقل الطفل وهو ما يسمى عقلا بالقوة ، والقوة العقل وقد اكتسب المعلومات فوعى وميز واختار وفعل فهو من ثم عقل بالفعل ، والضعف الثاني له بطنان ، الأول ضعف المشيب والكبر حيث يصيب الضعف الجسم وحواسه ظاهرة وباطنة فيرد الإنسان إلى أرذل العمر ، والبطن الثاني الضعف الذي يأخذ العارفين الذين خاضوا بحار التوحيد فهالهم ما رأوا وما سمعوا وما عرفوا ، فإذا هم حيارى أمام الحقيقة الكبرى التي تجعل الولدان شيبا ، قال الله مخاطبا نبيه صلىاللهعليهوسلم إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ، وقال ابن عطاء الله كيف أستعز وقد أذللتني وسمع البسطامي رجلا يقول عجبت ممن عرف الله كيف يعصيه ، فعلق على قوله قائلا عجبت ممن عرف الله كيف يعبده ، وقال الشبلي لو أجمع الناس على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما قدروا ، وقال أيضا ذلي عطل ذل اليهود ، وتفسير ذلك أن العارف لا يرى له فضلا ولا عملا ولا خيرة في ما أتى ، وأن الله لو شاء