وحدة هي النوع ، وتسمى في الصوفية الإنسان الكامل ، فتكون الحواس بمثابة ذي القربى ، ويكون القلب بمثابة المسكين ، ويكون الفكر بمثابة ابن السبيل الذي يسافر في طلب العلم ، وهم جميعا يسألون الإنسان النوعي الإحسان ، وكلما حقق الإنسان ماهية نوعه اقترب من الكمال وحققه ، ولهذا أكدت فلاسفة الأخلاق دور الأخلاق في طلب الكمال لأن الأخلاق تضع الإنسان على الصراط المفضي إلى الحقيقة ، فعلى القلب قفل مفتاحه الخلق الحسن ، والأخلاق وحدها تحمي القلب التردي في مهاوي الفتن والأهواء والشهوات ، فمتى أتم القلب هذه الكلمات الإلهية صفا وانجلى وأشرقت فيه الأنوار.
٣٩ ـ (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩))
[الروم : ٣٩]
الربا طلب الربح غير الحلال الذي شرع الله ، وباطن الربح المعقولات المستخلصة من التجربة الحسية ، فهي إن وضعت في غير محلها واستعملت لغير الأهداف السامية ضاعت وأضاعت ، وهذا حال الأنانيين من الأذكياء الذين يسخرون قدراتهم وإمكاناتهم ونشاطاتهم الفكرية من أجل زيادة ثرواتهم ، والله ما خلق الدنيا إلا لتفضي بالإنسان إلى الآخرة ، والآخرة معرفة الله ، فلو أن للإنسان جبال الأرض كلها وقد انقلبت ذهبا لما أفادته شيئا ما لم يتعرف ربه فيفرح به وبلقائه ويطمئن إليه.
٤٠ ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠))
[الروم : ٤٠]
الرزق إعطاء المتشخص حظه من الصفة ، وهي رحمة كتبها الله على نفسه منذ خلق العالم ، وقوله : (يُمِيتُكُمْ) يعني يميتهم عن أنفسهم وذلك بكشف حقيقة النفس ذاتها التي هي صورة الله ومرآته استودعت الهيكل الإنساني لتمارس نشاطها العقلي عن طريق التناقضات ، وقوله : (يُحْيِيكُمْ) يعني الحياة الحقيقة القائمة بالله ومعرفته ، وقال عيسى عليهالسلام : لا يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين ، وقال أبو العباس السياري : أنا والله ممن ولدوا مرتين ، الإيلاء الأول إيلاء الطبيعة ، والإيلاء الثاني إيلاء الروح في سماء المعارف. وقوله : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) يعني أن الإنسان قد يكون قادرا على أن يميت كأن يقتل ، ولكنه ليس قادرا على أن يحيي ، فالحياة رهن مشيئته تعالى وقدرته.
٤١ ـ (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١))
[الروم : ٤١]