الفطرة الطبع ، والطبع الصفة ، والله هو الذي فطر الناس على ما هم عليه ، ولهذا قيل الطبع تحت الروح ، وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) يعني أن خروج الموصوف لتحقيق صفته هو خروج حتمي وإلا لما تم التحقيق ، وإذا تبدل الموصوف تبدلت صفته وهذا مستحيل ، لأن الموصوف ما وجد إلا لإظهار الصفة ، فإذا خالفها كأن ينقلب الشجاع جبانا والحليم حقودا فكيف يكون بعد ذلك الحلم ، وكيف تعرف الشجاعة؟
هذا في مجال الصفات ، أما في مجال الأسماء فالنطاق أوسع وهو متعلق بالمشيئة الإلهية ، فلقد ينقلب الكافر مؤمنا ، وقد ينقلب المؤمن منافقا ، فما دام القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن ، والإصبعان تشملان الأسماء ، فالنتيجة أن الله قد يحول بين المرء وقلبه ، وقد يربط على قلبه ، وقد يهدي من أضل ، وقد يضل من هدى .. وهذه الحقيقة وعاها النبي فكان يطيل الدعاء ويستغفر ويخاف ربه ، ولما قالت له عائشة : أو لم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ أجاب : أو ما يؤمنني أن القلب مثل ريشة في الفلاة تقلبها الريح كيف تشاء؟
٣١ ، ٣٢ ـ (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢))
[الروم : ٣١ ، ٣٢]
الحزب كوة من كوى الأسماء ، فالحزب وحدة ضمت كثرة ، وهذا ما عبرت عنه الآية قائلة كل حزب ـ والحزب مفرد ـ بما لديهم فرحون ـ وفرحون جمع ـ والكوة وحدة واحدة ، ولهذا تجد المنافقين يسرون إلى بعضهم بعضا ويؤيد بعضهم بعضا ، إذ الطيور على أشكالها تقع.
٣٣ ، ٣٧ ـ (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧))
[الروم : ٣٣ ، ٣٧]
إذا أصاب الإنسان ضيق تذكر ربه وأناب إليه ، فما أعجز الإنسان وقت الشدة ، حتى إذا انفرجت الغمة وزالت الشدة نسي الإنسان ربه الذي استغاثه واستنجد به وعاد إلى الاعتماد على نفسه.
٣٨ ـ (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨))
[الروم : ٣٨]
سبق أن تحدثنا عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل من قبل وبطن الآية تمثل الناس في