اعتمادا على ما كان موجودا من الشعر ، إذن لقد قالت الشعراء الشعر معتمدة السماع أو ما يسمى الأذن الموسيقية ، وكانت الأذن الموسيقية من الدقة وكان لها من الإحساس بالنغم بحيث تم نظم كل بحور الشعر وفق قواعد خفية اكتشفها العلماء فيما بعد.
كانت الشعراء ينظمون الشعر وفق الإيقاع الداخلي فلا يخطئون ، وكان الناس يسمعون الشعر فيقومونه وفق السماع الذي لديهم فلا يخطئون أيضا.
ومثلما أن الوطاويط لا تغلط في تمييز أصوات فراخها كذلك لا تغلط الأذن الموسيقية سواء في نظم الشعر أو في سماعه وإن بلغت بيوت الشعر الملايين.
والشعراء الكبار حين ينظمون الشعر لا ينظمونه متبعين قواعد بحور الشعر أولا ، بل هم ينظمون على السجية والفطرة أولا ، ثم يطابقون ما نظموه على قواعد البحور ، ومثلما أن الشعراء القدامى نظموا الشعر وفق قواعد السماع الغامضة والخفية كذلك فإن الشعر العظيم ظل ينظم وفق هذه القواعد حتى يومنا هذا ، ويوجد من بين الشعراء شعراء ينظمون الشعر دون أن يعرفوا قواعد البحور ، وهم يحكمون على صحة شعر يسمعونه ويقدمونه على الرغم من جهلهم تلك البحور.
وفي الموسيقى الشرقية هناك المقام ، وهو قواعد موسيقية شرقية معروفة تدرس وتكتب وتعزف ، ومع هذا فهناك موسيقيون ومطربون يضعون ألحانا ويغنون أغاني وفق المقام مع جهلهم النوتة الموسيقية قراءة وكتابة.
فالسماع هو الحاسة المعتمدة في عالم الفن ، وهو القاعدة التي تبني عليها أبنية الموسيقى والشعر والنثر.
وما دام الإنسان قد قلد الحيوانات أصلا ، وما دامت الحيوانات مخلوقات غير ناطقة فالنتيجة إن الحاكم خلف هذه الظواهر هو الروح الذي له الفعل والأمر ، والذي شاء أن تكون للحيوانات ألسنتها ، كما شاء للإنسان أن ينطق ، وأن يكون للناس ألسنة مختلفة كما جاء في الآية ، ولو شاء الروح أن يكون للناس لسان واحد لفعل كما فعل بالحيوانات التي يوجد لكل نوع منها لسان واحد ، ولكنه شاء أن تختلف ألسنة الناس مثلما شاء أن تختلف ألوانهم.
واختلاف الألوان آية أخرى من آيات الله ، فلقد أثبتت التجارب أن للون خصائصه التي تبقيه على مر القرون ، فلقد زوجوا بين أرانب بيض وأرنب سود فجاء النسل ذا لونين أبيض وأسود مختلطين ، فلما زوجوا بين النسل الجديد ظهر نسل ثالث فيه اللون الأبيض واللون الأسود مفترقان ، أي أن ألوان النسل الثالث عادت فماثلت النسل الأول.