صغير آخر في هذه الجوقة الموسيقية التي لا تكاد يحصر نغماتها عدد لتشاكل الأمر على الأمهات ولتاهت عن صغارها وأضاعتها.
٦١ ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١))
[العنكبوت : ٦١]
الشمس إشارة إلى شمس الذات الفاعلة وهي الروح الكلي أول خلق الله والذي منه تصدر الكثرة باعتبار قابليته للتكثر والفعل في هذا التكثر ، والقمر الذات المنفعلة وهي النفس الكلية القابلة التي هي بدورها وحدة من حيث الباطن والجوهر وكثرة من حيث التكثر في الأجزاء المسماة النفوس الجزئية ، علما أن الكثرة هي متحدة الهوية مع النفس الكلية.
٦٢ ـ (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢))
[العنكبوت : ٦٢]
قوله : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ) فيه لطيفة ، ذلك أن سنة النبي لا تفصل بين الله والعالم كما قال عليهالسلام : لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ، فأحداث العالم اليومية المتغيرة والمتطورة هي هي الفعل الإلهي وإن تمت على أيدي الناس ، كما قال عليهالسلام أيضا : لو اجتمع الناس على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بما كتب الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بما كتب الله عليك.
والآية بدأت الحديث بأن الله يبسط الرزق أي يهيء الأسباب الداعية للرزق ، حتى إذا شاء أمرا آخر قدر هذا الرزق أي ضيقه ... وعلى هذا فإن سعي الإنسان في هذه الحياة رهن بالمشيئة الإلهية إن شاءت بسطت الرزق ، وإن شاءت ضيقته ، فالإنسان إذا سعى سعى ضمن نطاق المشيئة الإلهية ، وفي هذا عودة إلى الحديث عن العلم الإلهي الثابت والمعلومات المتطورة المتعلقة بالزمان والمكان علما أن الثابت والمتحول داخلان في دائرته تعالى.
وعليه فإن أعان إنسان آخر فإن الله هو المعين على الحقيقة ، وإن منع إنسان آخر يكون الله هو المانع ، وفي هذا إحالة على معنى التوكل الذي هو بذل الجهد في السعي ، ثم تقبل النتيجة سلبا كانت أم إيجايبا لإيمان المتوكل بأن الله مسبب الأسباب ، وهو بكل شيء محيط.
٦٣ ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣))
[العنكبوت : ٦٣]
سبق الحديث عن الماء الذي هو العلم ، والعلم علمان العقلي والروحي وكلاهما لله أيضا ، وما انتقدنا اعتماد العلم العقلي وحده إلا لننبه على أن الله هو المعلم عن طريق الفكر