التقليدي صبغة اجتماعية أي خارجية ، ووصفها سبحانه بقوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤] ، فالدين التقليدي إتباع الآباء والأجداد والبقاء وراء أسوار الأعراف والتقاليد.
أما دين التحقيق فهو النور الذي يجعله الله في القلب ، فينتبه من غفلته ويبدأ هجرته إلى الله ، وأتباع هذا الدين مجاهدين بالفطرة يجاهدون أنفسهم والعدو من الكفار والمنافقين ، ويصرون على جعل كلمة الله هي العليا ، وهؤلاء الذين وصفهم الله بقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التّوبة : ١١١] ، إذ مآل أتباع هذا الدين الشهادة الصغرى منها أو الكبرى ، ولقد عرفنا الشهادة بالشهود الإلهي ، وأتباع الدين التحقيقي متشابهون وإن كان منهم الموسوي والنصراني والمحمدي ، ولهذا عرف هؤلاء بعضهم بعضا ، وآمنوا بما أنزل إلى كل منهم ، ولقد قال سبحانه في النصارى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)) [المائدة : ٨٢ ، ٨٣].
٤٨ ، ٥٣ ـ (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣))
[العنكبوت : ٤٨ ، ٥٣]
نقلة الرسول صلىاللهعليهوسلم من إنسان عادي يتجر في مال زوجه خديجة رضي الله عنها إلى إنسان عظيم مبشر برسالة سماوية ، نزل عليه الوحي فعلمه وآتاه القرآن ، هذه النقلة حيرت العلماء الدارسين والنقاد الباحثين ، وكانت أعظم آية على إعجاز هذه الشخصية أن صاحبها كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، وظل كذلك حتى بعد نزول الكتاب عليه ، حتى أن كتابا جعلوا يكتبون القرآن عنه ويستنسخون ، وتعد تعليقات النبي على ما جاء في القرآن من قصص وأخبار وأحداث إعجازا في حد ذاتها ، ولقد عاش كاتب هذه السطور تجربة الكشف والذوق وشاهد بعين البصيرة انكشاف أسرار الملكوت ، وسار في درب العلم اللدني خطوة خطوة ، فإذا به يرى الرسول