قدامه يتقدمه حاملا المشعل بما كان ضربه من أمثال وقال من تعليقات على هذا الضرب الرفيع من العلم ، حتى أقر خاشعا ومصدقا بعظمة هذا النبي الأمي الذي كان نبراس العلم ومشعلا على طريق العلم الإلهي الذي علم الإنسان ما لم يعلم ، وهذا ما أشارت إليه الآية التاسعة والأربعون قائلة : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ).
وثمة إشارة أخرى في الموضوع ، فالصوفية على دين نبيهم ، وقال الإمام الغزالي : التصوف قبس من النبوة ، وقال أيضا : جميع حركات الصوفية وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة ، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به ، وما أتى الصوفية بعلومهم إلا من العين التي شرب بها النبي من قبل ، ولهذا سماهم عليهالسلام ورثة ، وقال فيهم : واشوقاه إلى إخوتي الذين يأتون من بعدي ، هؤلاء أنبياء لا أولياء. وقال إبن عربي : يريد بذلك نبوة القرب والإعلام والحكم الإلهي لا نبوة التشريع لأن نبوة التشريع انقطعت بمحمد عليهالسلام فهؤلاء منبئون بعلوم الأنبياء من غير واسطة ، وقال الإمام علي كرم الله وجهه : إن الله اختص لنفسه من بعد نبيه من بريته خاصة علاهم بتعليته ، وسما بهم إلى رتبته ، وجعلهم الدعاة بالحق إليه ، أنشأهم في القدم أنوارا أنطقها بتحميده ، وألهمها شكر تمجيده ، وجعلها حجابا على كل معترف له بمملكة الربوبية وسلطان العبودية وأشهدهم خلقه ، وولاهم ما شاء من أمره ، وجعلهم تراجم مشيئته وألسن إرادته ، عبيدا لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ، يحكمون بأحكامه ، ويعتمدون حدوده ، ولم يدع الخلق في بهماء وصماء ولا عمياء بكماء ، بل جعل لهم عقولا ما زجت شواهدهم وتفرقت في هياكلهم وشققها في نفوسهم واستعبد لها حواسهم فقررها بين أسماع وأنظار وأفكار وخواطر ألزمهم بها حجته وأراهم بها محبته ، وأنطقهم عما شهدت به بألسن ذربة بما قام فيها من قدرته.
٥٤ ، ٥٥ ـ (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥))
[العنكبوت : ٥٤ ، ٥٥]
قوله سبحانه : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ) يعني حكم الصفة للموصوف ، ما دام الله خلق الجنة وأهلها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النار وأهلها وهم في أصلاب آبائهم فهذا يعني أن الإحاطة قائمة منذ ساعة نفخ الروح في الجنين ، ولهذا ما كان لأصحاب جهنم الخروج منها ما دامت الصفة هي الحاكمة والصفات لله ، ولما كانت الصفة إلهاما ، والقلب مستمع ، كان الإنسان في هذه الدائرة شاء هذا أم أبى علم هو أم جهل ، وما الخروج ولا الدخول إلا بإذنه تعالى.