٤٠ ـ (فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠))
[العنكبوت : ٤٠]
ليس للإنسان إلا نفسه ، ونفسه مرآة الله كيف شاء فعل بها عن طريق الأسماء والصور ، ولما كان الإنسان صورة نفسه أي خروجها إلى عالم العيان كان ما يصدر عنه هو عين ما صور فيه ، فكان ثم تطابق بين الصفة والموصوف ، يقول أرسطو : كل فرد مزدوج التكوين ، فهو مركب من مادة هي قدرة على التغيير غير محدودة ومبهمة ، ومن صورة (شكل ، قالب) وهي ميل إلى التنظيم والتحقيق البنياني للميزات الطاقية للمادة ، ويستند كل مستوى من مستويات الواقع هذه إلى السابق مشكلا في الوقت نفسه قاعدة للمستويات التالية ، وهكذا يرسم الكون سلما مستمرا يرتفع من حد إلى حد نحو المستويات العليا ، وأخيرا فإن هناك صورة الصور (الإله أو المحرك الأول أو الخير) التي تشكل ذروة الهرم وتبعث فيه الحياة.
والصيحة صيحة النفس ذاتها ، والنفس تكلم وتكلم بكسر اللام أولا ثم بفتحها ، فهي محل الخطاب ، فأنى للإنسان أن ينفك من نفسه وصيحة نفسه؟ قال إبن عربي : لا يرى متكلما إلا من خلق الكلام في عباده وهو الله تعالى خالق كل شيء ، فالعبد صامت بذاته متكلم بالعرض.
٤١ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١))
[العنكبوت : ٤١]
لما كانت الصور جميعا مرجعها إلى الله ، والصورة معقولات مرئية كان على الإنسان أن يتعرف رب الصور أي رب المعقولات وإلا فهو في خسران مبين ، فمن علق صورة ولم يستشف من وراءها فهو أسير الصورة وحبيسها ، والصورة مهلكة مغرقة ، فالعلاقة بين الصفة والموصوف علاقة ظاهرية شبهها الله ببيت العنكبوت لأن الصفات لله ، فوجب تجاوز هذا السور المرفوع دون الغيوب.
٤٢ ، ٤٣ ـ (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣))
[العنكبوت : ٤٢ ، ٤٣]
الله سميع بصير وهذه نتيجة حصول العلم في المعلوم كما هو معروف في أسماء الصفات ، وعند ما يكلم الإنسان نفسه أو تكلمه نفسه فالله هو المكلم كما أسلفنا الكلام لأنه هو رب النفس ، فإذا ظل الإنسان جاهلا حقيقة التكليم ، وهو مقام بلغه موسى عليهالسلام ظل الله المكلم عالما جهل الإنسان إلى أن يشاء الله أن يهديه إلى صراط مستقيم.