هيكليّ الجسم نوريّ الصميم |
|
صمديّ الروح ديان عليم |
عاد بالروح إلى أربابها |
|
فبقي الهيكل في الترب رميم |
وأنشد إبن الفارض قائلا :
فلو كشف العّواد بي وتحققوا |
|
من اللوح ما مني الصبابة أبقت |
لما شاهدت مني بصائرهم سوى |
|
تخلل روح بين أثواب ميت |
فالإنسان مزيج من نفس مادية ترابية وجوهر روحاني خالد باق ، فإذا نجا برحمة من الله من هذا البحر المهلك إلى ذلك البحر الخالد فاز الفوز المبين وجاءه النصر العظيم ، وإلا فالإنسان هالك ، ليس له إلا حمل الصفة وإظهارها والخضوع لأمرها تقوده يمينا وشمالا ثم مآله العدم ، قال جلال الدين الرومي : ليس من جزاف القول ما قاله الكبراء إن أجسام الطاهرين تكون صافية كأرواحهم ، فأقوالهم ونفوسهم وصورهم جاءت كلها روحا مطلقا ، وروح عدوهم ليست إلا جسما ماديا صرفا ، فهي لا تعدو أن تكون اسما ، وقد دفن بالتراب جسم هذا العدو فصار كله ترابا ، وأما جسم الولي فقد دفن في الملح وصار كله طاهرا.
٣٦ ، ٣٧ ـ (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧))
[العنكبوت : ٣٦ ، ٣٧]
الرجفة تطاير العالم المادي ونسفه نسفا عند انكشاف حقيقته كما ذكرنا من قبل ، وهذه الرجفة تشاهدها العلماء المعاصرون في مختبراتهم ، ويرون كيف يستحيل الوجود ذرات وذريرات وفوتونات وجسيمات دقيقة تعمل وفق نظام عجيب ما يزالون يحاولون جادين كشف أسراره وماهيته.
٣٨ ، ٣٩ ـ (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩))
[العنكبوت : ٣٨ ، ٣٩]
الأسماء المذكورة إشارة إلى الفكر واعتماده الأسباب دون الرجوع إلى مسبب الأسباب ، وقوله : (وَما كانُوا سابِقِينَ) يعني أن خروج الإنسان على ربه هو بمشيئة إلهية ، كما شاء الله أن يخرج إبليس عليه لحكمة بيناها من قبل ، فقارون وفرعون وهامان يمثلون الشطر السلبي الذي يقابل الشطر الإيجابي الذي يمثله نوح وإبراهيم ولوط ، والشطران وجها الحقيقة الخالدة التي قضت أن تخرج ما في خزائنها عن طريق الأضداد.