لوط كناية عن الفكر الذي آمن للوجدان والقلب المنور فسلم أمره إليه واعتمد عليه ، وإسحاق ويعقوب كناية عن العاقلتين النظرية والعملية ، والنتيجة النبوة التي هي كشف الغيب والإنباء به وصلاح أمر الإنسان دنيا وآخرة.
٢٨ ، ٣٠ ـ (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠))
[العنكبوت : ٢٨ ، ٣٠]
قوم لوط بمثابة دعوى الفعل ، وما للإنسان من الفعل إلا تمثيله كما قال تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] ، فالمهدي مبصر بآيات الله وكيف تفعل جنود الله في قلب الإنسان ، فهو مشاهد ذو بصيرة ، وبصره حديد ، لا يشاهد إلا الله صاحب الفعل فيخاف الفعل ويحذر الناس من دعواه ، ولهذا قالت الأشاعرة لله الفعل وللإنسان الكسب ، وقالت الصوفية في مقام الخضر لا يعطي الاعتراض على أحد من خلق الله لمشاهدة خاصة.
٣١ ، ٣٥ ـ (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥))
[العنكبوت : ٣١ ، ٣٥]
قلنا القرية إشارة إلى البدن وأجهزته ، والرسل الأنوار الفعالة المحركة لهذا البدن وقواه ، فإذا ظهر أمر الرسل للمكاشف هلك البدن ، والهلاك معنوي ، إذ لا يرى المكاشف حينئذ من حوله إلا هذا الهيكل المادي الكبير المدار بقوة روحية خفية بدأت عملها بتكثف الذر اللطيف ، وهي دائمة التأثير في هذه الذريرات التي تدور كهاربها السالبة حول الموجبة ، ولو لا هذا الجذب الخفي لكف الوجود المادي عن الوجود ولنسف نسفا وعاد ذرا لطيفا كما كان.
والناجي من هذه القيامة العظيمة المكاشف الذي انتقل من دار البوار إلى دار البقاء ، وأهل الناجي فكره وقلبه ووجدانه ، وهو الوحيد حي بن يقظان في هذا العالم الغافل الغافي ، وإلى هذا العالم أشارت الآية الثالثة والثلاثون بامرأة لوط نفسها ، أنشد الحلاج قائلا :