على المؤمن أن يبقى صامدا في حرب الأسماء ونزاعاتها حتى يأتي الله أمرا كان مفعولا ، ويجيء نصر الله والفتح ، عندئذ ينكشف النزاع عن سلام باطني عميق.
فعن الناس لا تسل ، ولا تبال بما يقع ، لأن ما يقع بإذن الله وقضائه وقدره ، ولقد مر البسطامي بمقبرة لليهود فرفع يديه مدا وقال مخاطبا ربه : ما هؤلاء؟ كف عظام جرت عليهم المقادير ، أعف عنهم.
١١ ، ١٣ ـ (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣))
[العنكبوت : ١١ ، ١٣]
سبق أن تحدثنا عن العلم المطلق والعلم المقيد بالزمان والمكان ، وانتقدنا أرسطو وأفلوطين ومعهما إبن سينا الذي ظل حينا أرسطيا يدرب درب المعلم الأول لموقفهم الذي أعلنوا فيه جهل الله للجزئيات والأحداث الجزئية.
فالله بكل شيء محيط ، فهو حين بعث الصفة منه كانت الصفة مضمرة فأودعها النفس الحيوانية ذات القوى ، فبدأت الصفة تتفتق بتأثير التناقض والتضاد .. حتى إذا خاض صاحب الصفة حرب العيانات في العالم الخارجي واجه الصراعات أيضا التي ساعدت على فتق الصفة أكثر ، ولما كانت الحرب كرا وفرا وشكا ويقينا وخوفا وأمنا كان الله لهذا المرصاد ، وكان الملهم والمسدد والموحي ما فيه الصلاح لإتمام تحقيق فتق الصفة ، ولما كانت حرب الصفات ذات استراتيجية أي خطة شاملة محدودة ، وذات تكتيك أي خطة متطورة متغيرة كان الله صاحب الاستراتيجية والتكتيك أيضا ، فالحق إن يعلم الجزئيات لا يعلم ردود الفعل الناجمة من حرب الصفات ذاتها ، وهذا أمر بدهي كحال كل قائد جيش يراقب المعركة عن كثب ويقودها من ثم بخبرته وأوامره ، والنتيجة حتمية وهي انتصار الكليات أي تحقق الإستراتيجية الموضوعة سابقا من قبل الحق والتي ستتحقق حتما ما دام لله الأمر من قبل ومن بعد ، وما دام الإنسان آلة الحق وإمكانه ونشاطه وقواه.
١٤ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤))
[العنكبوت : ١٤]
عدد السنين إشارة إلى طول زمن دعوة نوح قومه إلى التوحيد ، والطوفان ناجم عن عدم إجابة نوح ، فلا يركب فلك نوح إلا من نجا من طغيان الأنا وأمر الصفات ، وما دام الاسم