يعملون السيئات لا يسبقون الله ، أي لا يخرجون عليه ، وذلك لأن الاسم الإلهي الذي هو من الكليات المطلقات يظل القاهر بعد التعرض للفتق والتفصيل وللتردد والتذبذب كما سبق لنا الحديث عن هذا من قبل.
٥ ـ (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥))
[العنكبوت : ٥]
لقاء الله نتيجة طبيعية للمطبوع قلبه بنور الإيمان ، والرجاء الإنساني من آثار دعوة الله عبده إليه ، فإذا رجا العبد فالله هو الذي جعله يرجوه ، ولو لا حكم الله القبلي ما كان للفعل البعدي أن يتحقق.
٦ ـ (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦))
[العنكبوت : ٦]
الجهاد أيضا تحقيق المشيئة الإلهية السابقة التي قضت بوجود الجهاد على صعيدي الإيمان والكفر ، فلو لا الكفار ما كان للمؤمنين أن يجاهدوا ، ومن هذا المنظور الصوفي الجمعي يكون الكافرون مجاهدين أيضا ، إذ الشيء بنقيضه يعرف ، فالمجاهدون يجاهدون الكفار ، والكفار يجاهدون المؤمنين ، وتبقى كلمة الله هي العليا برفع الجهاد الأول فوق الجهاد الثاني وجعله هو الجهاد حقا ، وهذا هو الخيط الرفيع في السورة التي سميت العنكبوت.
٧ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧))
[العنكبوت : ٧]
تكفير السيئات كشف الهوية التي هي مجمع البحرين في الذات الإنسانية ، فلقد قلنا إن السيئة ظهور الأنا ، وتكفيرها فناؤها وظهور الله فيها وبها ، ومتى كشف للإنسان الحجاب جوزي أحسن الذي كان يعمل ، وأي جزاء أفضل من لقاء الله وتعرفه والفناء فيه؟
٨ ـ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨))
[العنكبوت : ٨]
الوالدان ظاهران وباطنان ، والباطنان الروح الفاعل والنفس المنفعلة ، فمن الاثنين ولد الإنسان وعاش ، والوصية الحسنى معرفة دور كل من الوالدين الظاهرين والباطنين.
وقوله : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي) محاولة من قبل الروح والنفس لطبع الإنسان بطابع الأنية والصفات المحلية ، وهو الدور الذي يلعبه الوالدان بمشيئة الله بالإنسان وبحكم اسمه المضل ، فإذا أشرق نور الهدى وجب على المهدي الخروج على هذا الشرك الخفي والعودة إلى الصراط المستقيم.