سورة العنكبوت
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ، ٢ ـ (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢))
[العنكبوت : ١ ، ٢]
للميم هنا بطن ثالث هو مآل الوجود الطبيعي والغاية من خلقه ، وهذا ما أشارت إليه الآية الثانية معبرة عن ذلك بالفتنة ، والفتنة فتنة الناس بعضهم ببعض عن طريق الأسماء المزدوجة والمتناقضة.
٣ ـ (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣))
[العنكبوت : ٣]
العلم هنا تابع للمعلومات ، أي لا للعلم المطلق بل للعلم المقيد بالحواس والخاضع لتطور الزمان والمكان كما كنا فصلنا الكلام في هذا من قبل ، فالكليات معلومة ، ولكن المعلومات بعد فصلها عن الكليات خاضعة للامتحان ، والله معها يسمع ويرى كما قال سبحانه لموسى لما أمره بالتوجه إلى فرعون ، وعلمه سبحانه بالصادقين ، والكاذبين تحقق المعلومات نفسها بعد خروجها من كونها بالقوة إلى كونها بالفعل ، أي من الرتق إلى الفتق ، وهذا هو الخلاف بين الصوفية من جهة والأرسطية والأفلوطينية من جهة أخرى فأفلوطين يرى أن الله لا يتصف بالعلم لأن العلم يقتضي القسمة ، أي يتنافى مع البساطة ، وذلك لأن العلم هو أولا تركيب من عدة أشياء لكي تتكون منها وحدة ، أي تركيب معان جزئية لاستخراج معنى كلي : ثانيا يلاحظ أفلوطين في العلم أن هناك انقساما ما من ناحية بين العاقل والتعقل ، ومن ناحية أخرى بين العاقل والمعقول ، وفي كلتا الحالين لا بد من القول بالقسمة ، والقسمة لا تقال إلا على المركب ، فلا يمكن إذن أن يكون الله عاقلا أي عالما ، ولا يمكن أن يقال في هذه الحالة إنه عاقل لذاته ، لأنه لا بد في حالة التعقل للذات من وجود انقسام بين العاقل بوصفه عاقلا والعاقل بوصفه معقولا ، والعاقل والمعقول ليسا شيئا واحدا ، فلا بد في هذا كله من القول بالقسمة ، أي أن تنفي هنا البساطة ، فإذا قلنا إنه عالم فيجب أن نقول إنه عالم فوق العلم.
٤ ـ (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤))
[العنكبوت : ٤]
الآية تشير إلى أن تطور المعلومات المقيدة لا يتعارض مع كونه تعالى القاهر فوقها والمحيط بها ، إذ الكليات تحكم الجزئيات وإن خضعت الأخيرة للتطورات ، ولهذا فإن من