الإحسان أن تعترف بفضل الله عليك ، وترد إليه العارية التي أعارك إياها وهي نفسك التي بين جنبيك ، وألا تطغى دنياك آخرتك ولا آخرتك دنياك فإن الإسلام هو دين الدنيا والآخرة وهو الدين الوسط بين الأديان وهو خاتم الأديان.
٨١ ـ ٧٨ ـ (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١))
[القصص : ٨١ ـ ٧٨]
يؤمن المفكر بفكره مثل إيمانه بأناه ، وهذا ما عبر عنه قارون قائلا : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ،) والعلم هنا العلم الإنساني ، وكان قارون أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهارون ، ولكن قارون بقي محجوبا ، والمحجوب ما لم يكشف عنه غطاؤه يظل وراء الحجاب ، وقال أبو العباس المرسي من لم يتغلغل في هذه العلوم ـ أي علوم التوحيد ـ مات مصرا على الكبائر وهو لا يعلم ، وقال الإمام الغزالي : من لم يسافر إلى عالم الملكوت وقعد به القصور في عالم الشهادة فهو بهيمة بعد محروم من خاصية الإنسان ، بل أضل من بهيمة.
فاليقين تعرف الله وإعطاؤه حقه من الوجود ، وهذا ما أشارت إليه الآية الثمانون : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ) [القصص : الآية ٨٠] ، فالعلم علمان علم يؤتى وعلم يأتي ، فالعلم الذي يؤتى يأتي به الله ، والعلم الذي يأتي يأتي بتحصيل الإنسان نفسه ، وشتان ما ببين العلمين ، ولهذا تابعت الآية قائلة : (ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً).
وقوله : (وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) إشارة إلى المجاهدات التي يقتضيها ركوب طريق الحقيقة ، فالمدخل إلى العلم الإلهي أخلاقي لا فكري ، وهذا ما أوضحه الغزالي في «الإحياء» مؤكدا أهمية دور الأخلاق في الوصول إلى الحقيقة وكشفها ، وعند ما وصف الفارابي مدينته المثالية وهي عديدة قال إنه ليس شرطا أن يكون رئيس المدينة فيلسوفا كما كان قال في المدينة الفاضلة ، وقال إن الرئيس الأخلاقي يمكن أن يقوم مقام الرئيس الفيلسوف وهذه لفتة ذكية من المعلم الثاني الذي أدرك ما للأخلاق من أهمية ودور في معرفة الحقائق ، ونرى الرسول من قبل الفارابي والغزالي قد بنى صرح الإسلام على الأخلاق لا على الفكر ، ثم قال إن ساعة تفكر خير من سنة عبادة ، فالمطلوب جلو القلب وجعله قابلا لاستقبال الأنوار ، ثم يعلم الله