٧٥ ـ (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥))
[القصص : ٧٥]
الشهيد في علم الحقيقة من شهد الله عيانا في الصور كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (رأيت ربي في صورة شاب أمرد) ، وهذه هي الشهادة الصغرى ثم تتبعها الشهادة الكبرى وهي الفناء أو الجلوة التي عرفت في مصطلحات الصوفية بأن عين العبد وأعضاءه ممحوة عن الأنانية ، والأعضاء مضافة إلى الحق بلا عبد ، والشهيد هو الذي يعلم حقيقة الناس وما هم فيه من غفلة وكونهم نائمين صامتين وهم متحركون بالحق ناطقون بالحق ، قال إبن عربي في الصمت : لا يرى متكلما إلا من خلق الكلام في عباده وهو الله تعالى خالق كل شيء ، فالعبد صامت بذاته متكلم بالعرض.
٧٦ ـ (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦))
[القصص : ٧٦]
قارون ممثل السوبرمان الغربي لا الشرقي ، أي الإنسان الذي تفوق على الآخرين وبذهم في التفكير وجمع المعلومات والتنظير والإتيان بآراء ونظريات ودراسات كما هو حال معظم مفكري العصر الحديث وعلمائهم ، والمشكلة كما حددها محمد إقبال قائلا : ترى فلاسفة بالألوف ورؤوسهم مطمورة بالطين ، فهؤلاء يحسبون أنهم المهتدون وهم لا يعلمون إلا القليل ولا يعلمون من حقائق الغيب شيئا ، وهؤلاء يعتمدون علومهم ودراستهم ولا ينصتون لصوت الحقيقة إن صدر من عارف أو عالم إلهي رباني كما فعلت بنو إسرائيل بأنبيائهم ، وهؤلاء يتباهون بعلومهم وقوانينهم باعتبار أنها العلوم الحقيقية والقوانين الحقيقية الوحيدة.
ومع هذا فثمت أناس أوتوا العلم يعرفون الحقيقة ويكشفون أدعياء الحقيقة الزائفين ، وهم ينبهون على أن للفكر طورا آخر هو فوق العقل ، وأن للعقل الجزئي عقلا كليا هو معلمه وملهمه ومرشده ، ولكن الغافلين لا يستجيبون ولا يصدقون ، فتكون النتيجة أن الله يخسف بهؤلاء ودارهم الأرض ، والدار بمثابة القلب ، والأرض البدن ، وهذا ما يشاهده الشهيد كشفا كما أسلفنا الكلام حين يرى الله هو الأصل ، والإنسان هو الفرع وهو الآلة وهو الشبح وهو مرآة إلهية لا غير ، وسمى ابن عربي هؤلاء أشباح عالم الإمكان وسماهم أحلاس عالم الإمكان أي ما يوضع على ظهر الدابة تحت السرج.
٧٧ ـ (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧))
[القصص : ٧٧]