لله حكم كل شيء ، ولهذا بدئت الآية بالقول : (وَهُوَ اللهُ) والله الاسم الجامع.
٧٢ ، ٧١ ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢))
[القصص : ٧٢ ـ ٧١]
قلنا الليل الروح المحجوب ، ولو أراد الله ألا يظهر هذا الروح بالعالم وفي العالم لظل الله ليلا سرمدا ، أي روحا صرفا منزها عن التعين ، لكن الألوهية وهي المرتبة التي تلي الوجود الإلهي الصرف اقتضت وجود المألوهين ولهذا خلق العالم الخارجي الذي هو النهار ، فالوجود بين وجود باطن ووجود ظاهر وكلاهما يقتضي الآخر.
وقوله : (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ) يعني عودة الفرع إلى أصله ، والنفس إلى بارئها ، وهذا واقع في كل يوم وساعة ، فلا ظاهر بلا باطن ، ولا باطن بلا ظاهر ، وكل عملية فكرية هي تذبذب بين العالمين ، والله رب العالمين.
٧٣ ، ٧٤ ـ (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤))
[القصص : ٧٣ ، ٧٤]
الإنسان ساكن على كل حال سواء في الليل أو في النهار ، وهذا ما فصلنا الكلام فيه في كتابنا الإنسان الكبير ، والإنسان نائم مستيقظ ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا).
فالله هو المقلب ، مقلب الجسم ومقلب النفس ومقلب القلب ، وهذا فحوى سورة الكهف ، وجاء فيها أن الله يقلب أصحاب الكهف ذات الشمال وذات اليمين ، فالصلة بين الفكر والحواس ، كما قلنا في كتابنا فتح الوجود غامضة ، وأوردنا خلاصة بحوث العلماء الذين لم يعرفوا إلى الآن كيف ينبه الفكر الحواس والأعضاء ، ولا كيف تصدر الأوامر بواسطة الإشارات الكهربائية من الدماغ إلى الأعضاء ، ولا كيف يتم ترميز المعلومات في الخلايا العصبية ، ولا كيف تنبه هذه المعلومات المرمزة المبرمجة لدى الحاجة من قبل الإنسان ، وقالت الفلاسفة النفس تفعل بواسطة الروح ، فالإنسان يقوم ويقعد وينام ويستيقظ ويأكل ويشرب وينكح ويفكر ، ومع هذا فهو لا يعلم السبب الذي جعل صوفيا يقول : أنت أكل الخبز لا تعرفه ـ أي لا تعرف سبب أكله ـ أنت لا تعرف كيف تبول.
فالإنسان نازل ضيفا على الله ولا يعلم ، والله هو المحرك والمقلب والمفكر أيضا في الإنسان ، وهذا ما يكتشفه الإنسان لدى بلوغه اليقين ذوقا وإشراقا وعرفانا ، فيرى الناس جميعا من ثم أصحاب الكهف الأفلاطوني الشهير.