لا يستجيب الاسم الموحي للإنسان ، لأن إلهام الاسم نفسه هو من الحق ، فالحق هو الملهم الحقيقي ، أما وجود الأسماء وإلهامها فضرورة لوجود الأين والحيز والجزء ، إذ كل اسم متوجه إلى أين ما وحيز ما وجزء ما في وقت ما ، ولهذا كان دعوة الاسم من قبل الإنسان المتعين قاصرة بل باطلة لأن الاسم يلهم في مجال حدوده فقط أي صفته ، وهذا ملاحظ في صوت الضمير الذي يكلم صاحبه على قدر عقله ، فللعالم ضميره وللجاهل ضميره وللذكي ضميره وللأحمق ضميره بل وللحيوان ضميره الذي هو غريزته ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم).
٦٨ ـ (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨))
[القصص : ٦٨]
اتفقت المفسرون الصوفية على أن (ما) في قوله تعالى : (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) هي اسم موصول بمعنى الذي ، ويصبح المعنى أن الله هو الذي يختار ما يختاره الإنسان ، فلدى التفكير في قضية يتردد الإنسان بين سلب وإيجاب ، ثم يتخذ قرارا فيفعل ، وهذا ما يكشفه الإنسان لدى استبطانه فكره نفسه .. والحقيقة أن ما يحدث هو أن الأسماء هي التي تفعل فعلها في التفكير ، ولهذا قيل إن الروح ينصب على الدماغ فينتج الوعي أي التفكير أو ما يسمى الوعي الحسي نظرا لارتباط الوعي نفسه بالدماغ ، والاسم روحاني ، والأسماء قد تكون متقابلة أو منتاقضة أو مزدوجة ، وفي التردد يكون الفكر في قبضة الأسماء ، فهو بين مرفوع ومخفوض ، مقبوض ومبسوط ، وما دام الله قد طبع كل فكر باسم من أسمائه فإن اتخاذ القرار منوط بهذا الاسم القاهر ، فالعملية إلهية مسرحها الفكر الإنساني ، فالله هو الرافع الخافض ، القابض الباسط ، الهادي المضل ، وانجزام الإرادة أمر منوط بالله تعالى كما قال الإمام الغزالي ، ولهذا قالت الأشاعرة الفعل لله والكسب للعبد ، ولهذا ختمت الآية بالقول : (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
٦٩ ـ (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩))
[القصص : ٦٩]
الآية تتابع الحديث عما جاء في الآية السابقة ، وهي نتيجة للوجود الإلهي في الصور ، إذ لا موجود غيره سبحانه في القلب ، هو المليك المحتجب وراء ستارة الأسماء ، ولقد أرخى الله الستارة فعاشوا ولو رفعها لطاشوا.
٧٠ ـ (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠))
[القصص : ٧٠]
نتيجة الوجود الإلهي في ميدان الوجود أنه لا إله إلا هو ، وقوله : (وَلَهُ الْحُكْمُ) يعني أن