الإنسان من أوثان وأصنام وصور العالم الخارجي ، ولم يبق إلا على الفلك الذي فيه من كل شيء زوجين من المعقولات ، فالبيت إذن بيت المعقولات ، ولهذا كان مقام إبراهيم إلى جانب البيت ، ومقام إبراهيم السماء السابعة حيث سدرة المنتهى ، وهي الشجرة الجامعة التي يدخلها كل يوم سبعون ألف ملك بين ملائكة المعقولات فلا يعودون ، والإشارات كلها إلى أن الله في البيت ، وهو رب البيت ، ولهذا كان الحج إلى البيت هو الحج إلى الله والحج إلى أسمائه وصفاته ، ولهذا كان الطواف حوله سبعا إشارة إلى عدد صفاته ، فالحج إشارات أيضا ورموز ، والجوهر أن الله هو الوجود ظاهرا وباطنا ، وأن الإنسان فيه مرآة ومحمل ، ومحمله جسمه الذي يدخل في باب الحيوان أي الأنعام ، وهو مطية إلهية أيضا مسخرة لحمله ، مثلما جعل هو مطية إلهية ليحمل المعقول ، وليكون جسرا بين المعقول والمحسوس ، وليكون مرآة الله تعكس أسماءه وصفاته ، ويظهر بفعله فعله.
قال سيدنا عمر رضي الله عنه : الركب كثير والحاج قليل ، وللحج إمام هو الذي يخطب الحجاج على جبل عرفة ، وهذا الإمام هو ممثل الإنسان الكامل الذي تحدثنا عنه ، وذكره ابن عربي وعبد الكريم الجيلي وآخرون ، وهو القطب وهو الغوث ، وهو التجسيد الدوري للنور الشريف والظهور الإلهي لاسميه الظاهر والباطن ، وقال القاشاني : النبوة تمثل بدائرة لها وجود في الذهن ووجود في الخارج هو مظهر الوجود الذهني وصورته ، والذهني حقيقته ومعناه ، ولا توجد حقيقة الدائرة في الخارج إلا عن تكامل الأجزاء وتواصلها بوجود النقطة الأخيرة المتصلة بالنقطة الأولى فمثل النبوة دائرة لها وجود في الغيب هو حقيقتها ومعناها ، ووجود في الشهادة هو مظهرها وصورتها ، وحقيقة هذه الدائرة هي الروح الأعظم الذي هو حامل معنى النبوة ، وله حركة دورية ونهاية منطبقة على البداية.
٣١ ـ (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١))
[الحج : ٣١]
ما نهى الإسلام عن شيء أكثر مما نهى عن الشرك. وقال أرسلان الدمشقي : كلك شرك خفي ، فالشرك باب كبير لو عرف الإنسان سعته لخاف وهاب بل لصعق كما صعق موسى لما تجلى ربه لجبل بدنه وأعضائه.
فالله يريد أن يوفى حقه ، وحقه عواريه التي أعارها الإنسان واستودعه إياها حتى يبين للإنسان الله ، وأين الله ، وما صفاته وفعله ، وما لم تتحقق هذه الغاية فالإنسان ضائع حيران ، وصفته كما قال سبحانه (تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ).