يهدي الله المؤمنين ، وكرر فعل الهدى مرتين تأكيدا لكونه تعالى الهادي والذي ليس سواه هاد.
فعلى مسرح الحياة ليس ثم إلا المهديون والضالون ، وهذا ما جاء في سورة الفاتحة فاتحة القرآن ، لتحقيق العدل الإلهي البعيد القصد قال ابن عربي : إن أهل النعيم منعمون في نعيمهم وكذلك أهل الجحيم ، وذلك استنادا إلى الحديث القدسي القائل : إن رحمته سبحانه سبقت غضبه ، فيكون غضبه سبحانه مؤقتا ذا أجل إذا انقضى عمت المغفرة والرحمة ، وثمة رحمة رحمانية وجودية تتحقق في تنعم أهل الجحيم في جحيمهم عن طريق تلاؤم الصفة مع الموصوف والعلة مع المعلول ، وقد فصلنا الكلام في هذا الموضوع في كتابنا فتح الوجود ، قال ابن عربي : النعيم ليس سوى ما يقبله المزاج وغرض النفوس ، فحيثما وجد ملايمة الطبع ونيل الغرض كان ذلك نعيما لصاحبه.
٢٥ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥))
[الحج : ٢٥]
الناس في كل زمان ومكان يحاربون التوحيد إلا ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ، لأن فيه خروجهم عنهم وفناءهم أو كما قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [التّوبة : ١١١] ، والموحدون قلة من الناس قدامى أحرار ، قدموا من اللاأين كما قال جلال الدين الرومي وحبسوا في هذه الدار دار البوار ، فهم يتشوقون إلى الخلاص والفرار إلى عالم الأنوار ، ولهذا ورد في الآية ذكر سبيل الله والمسجد الحرام الذي هو إشارة إلى الجمع حيث الحق والفناء فيه ... والمعتكفون فيه يمدون أعينهم إلى رب المسجد ليتغمدهم برحمته وتعمهم أنواره.
٢٦ ، ٣٠ ـ (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠))
[الحج : ٢٦ ، ٣٠]
البيت بني في زمن الطوفان ، وهذا ما ذكر في كتب التاريخ ، وبين الله لإبراهيم عليهالسلام مكانه ليرفع قواعده من جديد ، والإشارة تذكرنا بالطوفان النوحي نفسه الذي أتى على كل ما يعبده