سورة القصص
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ، ٢ ـ (طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢))
[القصص : ١ ، ٢]
قال صلىاللهعليهوسلم : (ما من آية من آيات القرآن إلا ولها ظهر وبطن ، ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن) ، ولقد فسرنا الميم من قبل كما جاء في أول سورة البقرة تفسيرا وتفسيرنا بطن ، ثم فسرناه ثانيا كما جاء في أول سورة آل عمران تفسيرا آخر وتفسيرنا بطن ثان ، ونفسر الميم هنا على أنه مركز الدائرة الكوني الذي تشع منه عيون حقائق الممكنات ، وبما أن الإنسان جرم صغير انطوى فيه العالم الأكبر كما قال الشيخ الأكبر فمركز الدائرة بالنسبة إلى هذا الجرم هو قلبه ، ولهذا كان الله في قلب كل إنسان وهو لا يدري ، ولا يدري سوى الراسخين في العلم المحققين الذين عرفوا حقيقة قوله صلىاللهعليهوسلم : (من عرف نفسه عرف ربه).
٣ ، ٤ ـ (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤))
[القصص : ٣ ، ٤]
بين اسمي موسى وفرعون ، والأسماء إشارات ورموز ، تكمن حقيقة الإنسان ، فموسى القلب الذي استودع الصفة ، والصفة للحق ، وفرعون النفس التي تحاول إبعاد موسى القلب عن ربه ، والإبعاد لحكمة كنا قد ذكرناها من قبل.
وفرعون علا في الأرض وأفسد وفرق فهو رمز الفساد كما قال سبحانه على لسان الملائكة من قبل : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠] ، وما كل هذا الفساد الذي يعم الأرض سوى آثار وفعل النفس الفرعونية العاتية عن أمر ربها ، وقالت النقاد في (فاوست) غوته : الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى الله إلا عن طريق الشيطان ، لأن الشيطان ، وهو عنوان القلق الأبدي ، سيحفظ الإنسان بغير أن يشعر من الخطر الذي يتهدده على الدوام ألا وهو الراحة المطلقة ، إن النفي أو الرفض الشيطاني سيؤتي ثمرته ، لأنه سيوقظ في الإنسان طاقة خفية ، وليس الشيطان قرين الله ولا شبيهه ، ولكنه يحقق وظيفة جزئية داخل النظام الإلهي الشامل وذلك بإغوائه للإنسان ومحاولته أن يبعده عن الله ، والشيطان لا يتحدى الله ، وإلا كان إلها مثله ، وهو محال ، ولكن وجوده ضروري يحتمه وجود الله ، مثلما يحتاج النور إلى الظلام ، والحياة إلى الموت ، والإيجاب إلى السالب ، والجمال الغني الحي إلى الفراغ الأزلي ،