الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣))
[النمل : ٨٨ ، ٩٣]
تحدثنا في كتبنا السابقة عن التحليل العلمي الحديث لقوله سبحانه : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ ،) وكما أننا نحمل الفاني على الباقي والمتحول على الثابت وندرج الوجود في آن إلهي هو سر القيومية والحياة كذلك نقول إن ما يقع عند قيام الساعة هو واقع الآن باعتبار أن الآن خارج عن الزمان والمكان مدرج في الأبدية الإلهية.
والعلم الحديث لا يقول اليوم هذا جبل وهذا سهل وهذا بحر وهذا نهر بل يقول إن الوجود المادي ذرات مؤلفة من كهارب سالبة تدور حول كهارب موجبة ، وإن الكهارب تحلل إلى ذريرات والذريرات تحلل إلى أشعة ضوئية فوتونات ، أي أن قوام العالم كله ضوء وضياء ، ويقول العلم إن ما يصدر عن الشمس من نيران شمسية يفوق طولها محيط الأرض بمرات هي التي تبث الضوء ، وإن الأرض في أول تكثفها التقطت هذا الضوء واحتفظت به وحولته إلى غازات حمت نفسها بها ثم تحولت الغازات بدورها إلى سحب ظلت تمطر ملايين السنين حتى غطى الماء أربعة أخماس اليابسة ، ومعلوم أن الماء يتألف من غازين هما الأوكسجين والهيدروجين ، وإن له خواصا مغايرة لصفات الغازين اللذين كون منهما ، فهو مثلا مذيب وراو للأرض والنبات والحيوان والإنسان ، وأفضل من عبر عن هذا التوليف من تبدل الصفات هو هيغل الذي اعتمد العلم الحديث أساسا يشيد عليه صرح فلسفته القائلة إن الكم والكيف أساس الوجود ، وكلما بلغ الكم حدا معينا ظهر كيف جديد ، أي أن الوجود متطور بتطور علمي كيفي يكشف عن نظام كامل متكامل وصف في الآية بقوله سبحانه : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ).