والخليفة الإلهي فإن بصره هو عملية إبصار روحية بها وفيها يرى الباطن الظاهر ، فتكون النفس الحيوانية دابة النفس الكلية ، وتكون النفس الكلية دابة الروح ، ويكون الروح دابة الأحد ، سبحانه خلق الوجود ليظهر به وفيه.
٨٧ ـ (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧))
[النمل : ٨٧]
سبق أن تحدثنا عن الصور الذي هو بمثابة رب النوع ورب الصور ، والنفخ فيه إعطاء الإشارة بالكشف ، فإذا الباطن ظاهر ، وإذا الظاهر سراب يباب ، وهذا معنى الفزع الذي يصيب من في السموات ومن في الأرض ، فالسموات للمعاني ، والأرض للمباني ، وكلتاهما قائمتان برب الصور الذي هو النافخ في الموجود الوجود نفسه.
وقوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) يعني أنه عند الكشف لا يبقى من ظاهر الإنسان الكلي إلا الجسم الكلي وهو لله ، ولا يبقى من باطنه الكلي إلا المعاني الكلية وهي لله أيضا ، وهكذا يفنى الإنسان وهو فان على أي حال ، أما الناجون فهم من خلصوا إلى الله نجيا ، وفروا من أنفسهم عند ما شروها من الله فاشتراها منهم وأموالهم.
ففنيوا كما فنيت المخلوقات ، لكن هؤلاء بدلوا خيرا مما أخذ منهم إذ التحقوا بالملأ الأعلى وفازوا بمقام القرب وهو المقام المحمود فاقتبسوا من اللانهائي شعاعا ضاء به هيكل وجودهم ، فنورت بصائرهم وأبصارهم فشملتهم الرحمة وأدرجوا في الخالدين.
قال عبد الكريم الجيلي : إذا طمس النور العبدي وفني الروح الخلقي أقام الحق تعالى في الهيكل العبدي من غير حلول من ذاته لطيفة غير منفصلة عنه ولا متصلة بالعبد عوضا عما سلبه منه ، لأن تجليه على عباده هو من باب الفضل والجود ، فلو أفناهم ولم يجعل لهم عوضا عنهم لكان ذلك من باب النقمة وحاشاه من ذلك ، وتلك اللطيفة هي المسماة روح القدس فإذا أقام الحق لطيفة من ذاته عوضا من العبد كان التجلي على تلك اللطيفة هي المسماة روح القدس فإذا أقام الحق لطيفة من ذاته عوضا من العبد كان التجلي على تلك اللطيفة فما تجلى إلا على نفسه ، لكنا نسمي تلك اللطيفة الإلهية عبدا باعتبار أنها عوض عن العبد ، وإلا فلا عبد ولا رب ، إذ بانتفاء المربوب انتفى اسم الرب ، فما ثم إلا الله وحده الواحد الأحد.
٨٨ ، ٩٣ ـ (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ