٨٢ ـ (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢))
[النمل : ٨٢]
الدابة هنا خاصة ، فهي تتكلم ، والفارق بين الإنسان والحيوان أن الإنسان ناطق ، وتعريفه في الفلسفة هو حيوان ناطق.
قال سبحانه : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) [هود : ٥٦] والدابة هنا النسمة ، بفتح السين ، والنسمة الإنسان. وقال سبحانه : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥] ، والذي يمشي على رجليه الطائر والإنسان. هكذا جاء في تفسير الجلالين.
والدابة التي أخرجها الله سبحانه الإنسان الكامل ، العارف بالله ، المحدّث والمكلّم. وهو يتكلم عن وحي وإلهام ، ويكتب إملاء ، كما قال ابن عربي : وما أسجل في هذا المسطور إلا ما يتنزل به علي ، ولست بنبي ولا رسول ، ولكني وارث ولآخرتي حارث.
٨٣ ، ٨٥ ـ (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥))
[النمل : ٨٣ ، ٨٥]
الحشر حشر أسمائي ، فيكون المذلون تحت الاسم المذل ، والضالون تحت الاسم المضل وكذلك مدرجون في الجمع الذي هو في الوقت نفسه مفرد ، والخطاب تمثيلي معنوي أريد به ضرب مثل للمؤمنين ، وإلا فمشخصات أسماء الجلال موتى صم بكم عمي كما وصفوا من قبل ، وهم مدرجون في العدم الذي منه جاؤوا فلا يسمعون خطابا ولا يجدي لهم نصح.
٨٦ ـ (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦))
[النمل : ٨٦]
من الليل والنهار يكون الوجود ، فالليل هنا الباطن والغيب أي ما استتر من الوجود ، ولو لا الليل ما كان النهار والعكس صحيح أيضا ، فالليل كان في اللا أين ثم أوجد الأين ليكون له محلا ، ثم شق الروح منه أشقاء جعلهم في الأين ليكونوا أدواته المسخرات بأمره ولليل صوره من المعاني المستترة فجعل ضياء النهار لتبرز هذه المعاني في صور محسوسة ، فلو لا النهار مارئي من بطنان الغيب وصوره شيء.
ولقوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) نكتة ، فهو لم يقل مثلا والنهار لتبصروا فيه بل قال مبصرا ، والمعنى أن عالم العيان هو بمثابة بصر للعالم الروحي ، ولما كان الإنسان سيد المخلوقات