الجائع أنه يأكل طعاما شهيا فيزداد إفراز غدد فمه للعاب ، وكذلك معدته ، وباستطاعة الخيال أن يحقق الأعاجيب في هذا المجال ، فالعقل إذن المحرك ، ويعيش الإنسان هذه الحقيقة ولا يعيها ، وإذا دعاها نسبها إليه ، وكنا نبهنا على أن النفس صورة إلهية ، والعقل يد الله النورانية الفعالة ، فالفكر الإنساني أداة فعل لله على الحقيقة.
فالعقل المطلق اتخذ من عالم العيان أداة للتحريك ، واتخذ الإنسان خاصة أداة أيضا ومحلا للظهور ، وفي بدء الخليقة كان الفاعل هو النور الإلهي ، وما الآيات التسع أو المقولات الكلية سوى وسائل التحريك نفسه ، فإذا بدأ العقل الفعل ظهر الانفعال ، وإذا ظهر الانفعال ظهر الزمان والمكان ثم الكم والكيف ، والحركة الناجمة من فعل الفاعل في المنفعل أظهرت الحركة ، وعلاقة المنفعل بالفاعل أظهرت الإضافة ، والعملية كلها أظهرت الجوهر الذي هو أولى المقولات ، وهكذا وبفعل الآيات التسع يكون الله قد استوى على عرش الوجود ، وتحقق كونه قاهرا مريدا قادرا إلى آخر الصفات والإلحاد الذي يقول : في البدء كانت المادة ، بدلا من القول في البدء كانت الكلمة ، أي الكلمة الإلهية ، أو في البدء كان العقل أو الروح ، هذا الإلحاد ناجم عن الحجاب الموجود بين الإنسان والله ، حيث ظن الإنسان أنه موجود بذاته ، وأن هذا الوعي ناجم عن المادة ، وإن كانت المادية الديالكتية قد خطت خطوة جريئة في هذا المجال إذ قالت : إن العمليات الفيزيولوجية الجارية في المخ والفكر ، وإن التفكير العادي عملية واحدة وحيدة ، والوعي هو حالتها الداخلية ، وعلى هذا لا يمكن إطلاقا الفصل بين الوعي والمادة المفكرة ، وفي الوقت نفسه لا ينبغي النظر إلى الوعي أو الفكرة على أنه مادة ، أو شيء ما مادي ، وهذا خطأ الماديين العاميين.
ومهمة الصوفية كشف الحجاب الموجود بين الأنا المتعينة والأنا المطلقة أي بين النفس المادية التي لا توجد إلا في الطبيعة والجسم وبين العقل اللامادي الذي هو أصل الطبيعة والجسم والقائم بذاته في اللا أين ، ولما كانت الأنا ، متعينة أم مطلقة ، هي أنا واحدة ، وكانت الأنا المتعينة جزآ من الأنا المطلقة تعينت لتكون ذاتا تجريبية يتم بها وفيها فلق المعقولات كانت نتيجة التركيب الثنائي هذا تركيبا واحدا عبر عنه الصوفية بقولهم ما أنا إلا هو ، أي أنهم إنتهوا إلى مقام سموه مقام الحيرة والعجز ، ويعلن الفيلسوف فشته أن الذات الإنسانية محدودة أو هي أنا تجريبي تواجهه طبيعة تجريبية مثله ، والفلسفة النظرية إذ تضع الأنا واللاأنا تقيم بالضرورة مواجهة بين كل منها والآخر في إطار حدود الأنا المطلق نفسه.
وفرعون ممثل الفكر الملحد الذي سرق العارية وادعاها لنفسه ، وفرعون قد يكون إشارة إلى نفس موسى نفسه ، فما ثم فصل بين أنا متعينة وأنا متعينة أخرى في مجال الجمع ،