جاء في الآية التاسعة قوله تعالى : (إِنَّهُ أَنَا اللهُ).
١٠ ، ١١ ـ (وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١))
[النمل : ١٠ ، ١١]
قلنا العصا إشارة إلى القدرة ، فقبل الكشف يفعل الإنسان ما يفعل اعتقادا منه بملكيته لنفسه وحريته وإرادته وأنه يفعل ما يشاء مع خوفه الله ورجائه إياه ... ولكن بعد الكشف يتبين للإنسان أن بضاعته الجسدية هي ملك المليك الأكبر ، وأن ليس للإنسان من أمره شيء ، ولقد شبهت العصا بالجان ، والجان ما استتر ، والإشارة إلى أن الفعل الإلهي مستتر في الفعل الإنساني وأنه هو وأنه حقيقته.
والظلم دعوى الإنسان التملك بدآ من نفسه ، والتبديل حسنا بعد سوء رد العارية إلى صاحب العارية ، وكنا قد فصلنا الكلام في هذا في كتابينا الإنسان الكامل والإنسان الكبير ، فمن عرف الحقيقة عرف الحق ، ومن عرف الحق رد العارية إليه ، بهذا يكون الله قد غفر ورحم ، لأن الإنسان لا يرحم حتى يتوفى ، ولا يتوفى من غير أن يتوفاه الله ، ولا يتوفاه الله من غير كشف يريه أن الله قابض نفسه لأنه هو حقيقة نفسه.
والتوفي العادي توفي جسماني ، لأن الله هو على الحقيقة يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ، كما ورد هذا في موضع آخر ، فالله القابض المتوفي في كل ساعة وثانية وفي كل حال وعلى أي حال.
١٢ ، ١٤ ـ (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤))
[النمل : ١٢ ، ١٤]
الآيات التسع معروفات منذ زمن أرسطو ، ثم أوردها الفلاسفة الإسلاميون وأعلام الصوفية ، وسميت الآيات مقولات تسع تصبح عشرا لدى ظهورها في الإنسان وهي : جوهر ، كم ، كيف ، حركة ، إضافة ، زمان ، مكان ، وضع ، فعل وانفعال ، فعلى مستوى الجسم الكلي تصبح الصورة الإلهية كالتالي : يقوم العقل المطلق بفتق العالم منذ انفجار الذر السديمي القديم ، فإذا تعينت الأشياء قام العقل بعمله وحيا والوحي الصوت الخفي ، وكما قد أوردنا قول ابن سينا إن في كل متعين متعين ومطلق غير متعين فهذا المطلق غير المتعين هو الذي يلهم النفس تحقيقا للقصد ، والإنسان المحجوب متى فكر في تحقيق أمر تحركت أعضاؤه لتحقيق ما يريد ، حتى الخيال له دور في التحريك ، فإذا تمثل الإنسان شيئا انفعلت أعضاؤه كأن يتخيل