التربية يربى الروح العقل الجزئي بفتقه ونقله من كونه بالفعل ، أي أنه يفتق فيه ما هو موجود فيه بالقوة كما توجد الأشجار والنباتات في بذورها ... ثم يربيه بالوحي كما قال سبحانه : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى : ٥١] ، فالروح يلبس لباس الأسامي ويلبس الإنسان هذه الأسامي ، فالأسامي الواسطة بين الله والوجود الإنساني. فعن طريق الأسماء يتم أخذ المتعين بناصيته ليحقق القصد من وجوده ، ولهذا كان الروح محجوبا بقدر ما هو ظاهر ، فهو محجوب لمن ظهر به ، أي للإنسان نفسه ، ولهذا جعلنا هدفنا في هذا التأويل أن نزيل الغشاوة عن بصر الإنسان ، وأن نجعله يكتشف اسمه وماهيته وماهية الحقيقة التي جعلت هيغل يقول : العقل يجب أن يعي أنه روح ، وأن الروح ليس أنا فقط يل نحن أيضا. فالروح جامع جماعي ، واحد من حيث هويته ، وهو في اتحاد مع هويته ، وهو متكثر من جهة أسمائه لا بتفرقه فيها ، فهو موجود فيها كواحد أيضا كما توجد الشمس في الوجود ، ولكنه يقودها بإلهام الاسم نفسه كإلهام الاسم المضل الهادي ، ولقد ذكرنا من قبل كيف أن الإنسان هو أسير اسمه وسجينه دون أن يعلم ، حتى إذا آن أوان التجلي خلع الروح رداء الأسماء وظهر واحدا مشعا عن الذات المطلقة التي كانت في عماء من قبل خلق العالم والتي ما زالت في عماء كما كانت باعتبار العماء السحاب الرقيق أي النور اللطيف أو نور الأنوار كما قال السهروردي.
وكون الروح مطلقا هو سبب خلوده وأزليته ، فالتغير صفة التعينات الداخلة في نطاق الزمان والمكان ، أما الروح فهو المتصرف في الزماكان ، فالتغير والصيرورة من نتائج فعله ، وهو متعال عن ذلك علوا كبيرا .. وهذا هو النقد الذي وجهناه إلى فلسفة هيغل في كتابنا الإنسان الكامل ، لأن هيغل جعل الفكر مطلقا ، وجعل هذا الفكر المطلق متطورا بتطور التناقضات فاعلا فيها ومنفعلا عنها ، أما الصوفية ومنهم عبد الكريم الجيلي فلقد بينوا أن الحق لا يتطور ، ولكن تجليه أي ظهوره في العالم وبالعالم يتطور أي يزداد شيئا بعد شيء.