قالت الصوفية : وجودك ذنب لا يقاس به ذنب ، فالذنب دعوى الأنية ، والإيمان بملك الأنية دون ردها إلى الله وكونها وجه الله ، ولهذا كانت تتمة الآية الوقاية من عذاب النار ، أي من عذاب الظهور.
١٧ ـ (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧))
[آل عمران : ١٧]
الاستغفار بالأسحار التوجه إلى الله قبيل طلوع فجر اليقين والوقت كله مخصص للدعاء والإخلاص في الدعاء.
١٨ ـ (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))
[آل عمران : ١٨]
شهود الله أنه لا إله إلا هو إحاطته سبحانه بالأسماء والصفات أي العيون ، ولا وجود إلا وجوده ، فكل له داخرون ، والشهادة الإلهية بمثابة القبضة الجامعة والإحاطة ، أما شهود الملائكة فشهود المعقولات لذاتها ولخالقها ، فالمعقولات البرزخ الفاصل بين المادة والغيب ، فهي جسر بين العالمين ، ولهذا كانت الملائكة شفافين مجردين ، والمعقول هو بين منزلتين ، فالخير لا يكون خيرا إلا باستناده إلى أصل مجرد نابع منه ، ولولاه ما كان هو خيرا أصلا ثم يتبع وجود هذا الخلق الشفاف خلق كثيف ليظهر الشفاف به ، وهكذا فالمعقول مشاهد للكثافة من جهة ، وللشفافية من جهة أخرى ، وأولو العلم أصحاب اليقين والكشف الذين يطالعون الغيب من خلال ارتسام حقائق المعقولات في صور لطيفة يرونها في اليقظة والمنام وشهود هذه الحقائق يؤدي بالتالي إلى شهود الله الذي لا يرى من دون حجاب المعقولات ، فهو هي وهي هو ، وهو ليس هي ، وهي ليست هي ، بسبب الإشعاع والصدور الدائم ، والقيام بالقسط إعطاء المعقولات حقها من التجريد وما فيه من قيم جمالية وحقية مثل كونه سبحانه الحكيم العليم السميع البصير.
١٩ ـ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩))
[آل عمران : ١٩]
الإسلام الدين الجامع ، ولهذا كان الجامع رمز التوحيد ومكان العبادة في الإسلام ، والدين الجامع لوحة المعقولات الموازية للعالم الحسي من دون ملاصقة ولا مفارقة ، فالإسلام بهذا المعنى الجمع والعبادة الحقة حتى وإن توجه القلب يمينا وشمالا.
وفصلت الصوفية القول في كيفية كون الله معبودا في كل صورة معبود من خلال صدور الخواطر من العين الجامعة وتوجهها إلى المعبود ، والاختلاف بين الذين أوتوا الكتاب