الفئة التي تقاتل في سبيل الله مثل القلب في توجهه إلى النور المشع عن الروح ، والفئة الكافرة ، مثل القلب وهو في أسر النفس الأمارة ، وتقاتلهما حق مفروض مثل قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١] ، ورؤية الكافرين المؤمنين مثليهم رأي العين ناجم عن كون المؤمنين يأخذون عن الروح ما يثبتهم في القتال وذلك بواسطة ما يقذف في القلب من مدد الخاطر الإلهي والخاطر الملكي ، فالمؤمن قوي والكافر ضعيف ، لأن الأول يأخذ من النور ، والثاني لا يأخذ إلا من نفسه ، وأولو الأبصار من تفتحت عين بصيرتهم فعلموا علم الخواطر ، وهو علم عزيز كان سيده النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم الإمام الغزالي الذي فصل القول فيه في باب عجائب القلب في كتابه «الإحياء».
١٤ ـ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤))
[آل عمران : ١٤]
حب الشهوات توجه القلب إلى النفس ، وما تزينه له من التعلق بزينة الحياة الدنيا وطلب ما فيها ، والخيل المسومة إشارة إلى ما يركب القلب من خواطر ، والأنعام إشارة إلى العلوم المحصلة عن طريق الفكر والحواس إذ يرتبط وجود الأنعام بالنتاج من اللبن والصوف واللحوم وكلها داخلة في باب العلوم الظاهرية ، ولهذا تبع الأنعام ورود الحرث ، أي الزرع ، ووصف سبحانه هذا كله بأنه متاع الحياة الدنيا دون الآخرة.
١٥ ـ (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥))
[آل عمران : ١٥]
الجنات جنات الروح وهي عطايا القلب المنور بنور ربه ، والأنهار العلوم اللدنية النازلة من سماء الغيب على مرآة القلب ، والأزواج المطهرة ظهور سر الأسماء الحسنى ، فتبرز المعقولات وفق نمط وترتيب وتشكيل يمكن المجتبين من فهم المعرفة الإلهية ، والرضوان الرضا وهو داخل في مقامات الصوفية ، وخلاصة الرضا عن الله عزوجل معرفة أن كل ما خلق الله جميل ، وأنه ما خلق شيئا إلا لحكمة.
والبصير صفة لله ، يعلم بها عبده عن طريق إحاطته بعينه ، إذ كل عين إنسانية هي عين إلهية للظهور ، فكون الله سبحانه في إنسان يجعله سبحانه بصيرا بالعبد من خلال نعت الإنسان نفسه.
١٦ ـ (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦))
[آل عمران : ١٦]