قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ؛) أي لا يستهزئ الرجل من أخيه فيقول : إنّك رديء المعيشة لئيم الحسب وأشباه ذلك مما ينتقصه به وهو خير منه عند الله. وقيل : معناه : لا يعيّر قوم قوما لعلّ المسخور منه أفضل عند الله تعالى من السّاخرين ، (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) ، ولا يعيّر نساؤنا نساءنا لعلّ المسخورة منهنّ أفضل من السّاخرات. وقيل : معناه : لا يسخر غنيّ من فقير لفقره.
قوله تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ؛) أي لا تعيبوا إخوانكم الذين هم كأنفسكم ، (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ؛) أي لا يدع بعضكم بعضا باللّقب الذي يكرهه صاحبه ؛ لأن عليه أن يخاطب أخاه بأحب الأسماء إليه.
وقال قتادة : (معناه : لا تقل لأخيك المسلم : يا فاسق ويا منافق ، ولا يقول لليهوديّ بعد أن آمن : يا يهوديّ) وذلك معنى : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ؛) قال عطاء : (هو كلّ شيء أغضبت به أخاك كقولك : يا كلب ؛ يا خنزير ؛ يا حمار).
قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ ؛) أي من لم يتب من التّنابز (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (١١) ، وقال : (نزل قوله تعالى (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) في نساء رسول الله عيّرن أمّ سلمة بالقصر). ويقال : نزلت في عائشة رضي الله عنها أشارت بيدها في أمّ سلمة أنّها قصيرة (١).
وروى عكرمة عن ابن عبّاس : (أنّ صفيّة بنت حييّ بن أخطب أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : إنّ النّساء يعيّرنني يا يهوديّة بنت يهوديّين ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [هلّا قلت : أبي
__________________
ـ التفسير : ج ٩ ص ٧٩. وبلفظ آخر أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الأدب : باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر : الحديث (٦٠٦٤ ـ ٦٠٦٥).
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٦ ص ١٨٩. والترمذي في الجامع : كتاب صفة القيامة : الحديث (٢٥٠٢) ، في (صفية) رضي الله عنها وليس أم سلمة. وذكره الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٩ ص ٨١. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ٣٢٦ : أنها أم سلمة رضي الله عنها.