والبغي هو الاستطالة ، والعدول عن الحقّ وعمّا عليه جماعة المسلمين. والطائفة الباغية هي التي تطلب ما ليس لها أن تطلبه ، قوله (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي حتى ترجع إلى طاعة الله.
قوله تعالى : (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ؛) أي واعدلوا في الإصلاح بينهما ، وفي كلّ حكم ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩) ؛ أي يحبّ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما تولّوه ، الإقساط في اللغة هو العدل ، يقال : أقسط الرجل إذا عدل ، وقسط إذا جار ، ومنه قوله (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً)(١).
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : [يا ابن أمّ عبد ؛ هل تدري كيف حكم الله فيمن يفيء من هذه الأمّة؟] قال : الله ورسوله أعلم ، قال : [لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيها](٢).
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ؛) يعني في الدّنيا والولاية ، (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ؛) يعني بين كلّ مسلمين تخاصما وتقاتلا واختلفا ، قرأ ابن سيرين (بين أخويكم) بالجمع ، وقرأ حسن (بين إخوانكم) بالألف والنّون.
وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ ؛) أي أطيعوا الله ولا تخالفوا أمره ، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (المسلم أخو المسلم ؛ لا يظلمه ؛ ولا يعيبه ولا يخذله ؛ ولا يتطاول عليه بالبنيان فيستر عنه الرّيح إلّا بإذنه ، ولا يؤذيه بقتار (٣) قدره إلّا أن يغرف له منه ، ولا يشتري لبيته الفاكهة فيخرجون بها إلى أولاد جاره إلّا أن يطعموهم منها) (٤).
__________________
(١) الجن / ١٥.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك : كتاب قتال أهل البغي : الحديث (٢٧٠٩). وفي مجمع الزوائد : ج ٦ ص ٢٤٣ ؛ قال الهيثمي : (رواه البزار والطبراني في الأوسط وقال : لا يروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم إلا بهذا الإسناد. قلت : وفيه كوثر بن حكيم وهو ضعيف متروك).
(٣) القتار : ريح القدر والشّواء.
(٤) ذكره العجلوني في كشف الخفاء : ج ٢ ص ١٨٧ ؛ وقال : (رواه الثعلبي). وأخرجه الثعلبي في