وأمّا النّهديّة وابنتها فكانتا لامرأة من بني عبد الدّار ، مرّ بهما أبو بكر وهما يطحنان ، وسيّدتهما تقول : والله لا أعتقكما أبدا ، فقال لها أبو بكر : (يا أمّ فلان خلّ عنهما) ، فقالت : بل أنت خلّ عنهما ، أنت أفسدتهما ، فقال : (بكم هما؟) قالت : بكذا وكذا ، قال : (أخذتهما بذلك وهما حرّتان لله تعالى) ثمّ قال لهما : (قوما واربعا لها طحينها) ، قالتا : ألا نفرغ من طحينها ونردّه إليها؟ قال : (ذلك إليكما إن شئتما).
فقال أبو قحافة لأبي بكر : (يا بنيّ إنّي أراك تعتق رقابا ضعافا ، فلو أنّك أعتقت رجالا جلادا يمنعونك ويقوّمون دونك؟) فقال أبو بكر : (يا أبه إنّي إنّما أريد الله) ، فنزل فيه قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ..) إلى قوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) إلى آخر السّورة» (١).
وعن سعيد بن المسيّب قال : «بلغني أنّ أميّة بن خلف الجمحيّ قال لأبي بكر حين طلب منه أن يعطيه بلالا قال له : لا أبيعه منك إلّا بغلامك منطاس ، وكان مشركا ، فراوده أبو بكر على الإسلام فأبى ، وكان لمنطاس عشرة آلاف دينارا ومواش وجوار.
فراوده أبو بكر على الإسلام ، ويكون ماله له فأبى ، فأبغضه أبو بكر ، فلمّا قال له أميّة ذلك باعه منه ، فقال المشركون : ما فعل أبو بكر ذلك لبلال إلّا ليد كانت لبلال عنده ، فأنزل الله تعالى (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى» إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى) (٢١) ؛ بثواب الله في العقبى عوضا عمّا فعل في الدّنيا (٢).
آخر تفسير سورة (الليل) والحمد لله رب العالمين
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير : ج ١٠ ص ٣٤٤١ مختصرا. وأخرج بعضه الحاكم في المستدرك : كتاب التفسير : الحديث (٣٩٩٧) ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
(٢) أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان : ج ١٠ ص ٢٢٠. وحكاه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٢٠ ص ٨٩.