قوله تعالى : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) (١٥) ، أي لا يدخلها ولا يلزمها إلّا الأشقى في علم الله تعالى ، (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (١٦) ؛ وهو الكافر الذي كذب بتوحيد الله تعالى والقرآن ، وأعرض عن الإيمان.
قوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (١٧) ؛ أي سيباعد عنها التقيّ ، (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) (١٩) ؛ أي لم يفعل مجازاة لبرّ أسدي إليه ولا لمثابة الدّنيا ، ولكن أعطى ما أعطى لطلب ثواب الله ورضاه ، ولسوف يعطيه الله في الآخرة من الثواب حتى يرضى.
قيل : إنّ قوله (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) إلى آخر السّورة نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ، حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه : «أنّ أبا بكر رضي الله عنه أعتق سبعة ، كلّهم كانوا يعذبون في الله تعالى ، وهم : بلال ؛ وعامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة شهيدا. وأمّ عميس وزنيرة ، فأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلّا اللّات والعزّى! فقالت : كذبوا وثبّتها الله ، فردّ الله بصرها. وأعتق النّهديّة وابنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدّار ، ومرّ بجارية بني مؤمّل حيّ من بني عديّ بن كعب ، وكانت مسلمة ، وعمر بن الخطّاب يعذّبها لترك الإسلام وهو يومئذ مشرك ، فاشتراها أبو بكر فأعتقها.
فأمّا بلال فكان لبعض بني جمح مولّدا من مولّديهم وهو بلال بن رباح ، وكان اسم أمّه حمامة ، وكان صادق الإسلام طاهر القلب ، وكان أميّة بن خلف الجمحيّ يخرجه إذا حميت الظّهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكّة ، ثمّ يأمر بالصّخرة العظيمة ، فتوضع على صدره ، ويقال له : لا تزال هكذا حتّى تموت أو تكفر بمحمّد وتعبد اللّات والعزّى ، فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد أحد.
فمرّ به أبو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك ، فقال لأميّة بن خلف : (ألا تتّقي الله في هذا المسكين؟ حتّى متى؟) فقال : أنت أفسدته فأنقذه ممّا ترى. فقال أبو بكر : (عندي غلام أسود أجلد منه ، وأقوى على دينك أعطيكه به). قال : قد قبلت ، قال : (هو لك). فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك وأخذ بلالا فأعتقه. فقالوا : لو أبيت أن تشتريه إلّا بأوقيّة لما منعناك. فقال أبو بكر : (ولو أبيتم إلّا بمائة أوقيّة لأخذته).