وقوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (٥) ؛ أي والسّماء وما بناها ؛ وهو تأليفها الذي نشاهده في سعتها ، وارتفاع سمكها ، وقرارها بغير عمد. و (ما) مع الفعل بتأويل المصدر ، ويجوز أن يكون معناه : والسماء والذي بناها كما يقال : سبحان من سبّحت له وسبحان من سبّح الرعد بحمده (١).
والمعنى (وَالسَّماءِ وَما بَناها) أي ومن خلقها ، وهو الله تعالى كما قال تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ)(٢)(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ)(٣) وعلى هذا قوله تعالى : (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) (٦) ؛ معناه على القول الأول : والأرض وطحوها وهو بسطها على وجه الماء ، وعلى القول الثاني والأرض ومن طحاها.
قوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨) ؛ معناه على القول الأوّل : والأنفس كلّها وتسويتها باليدين والرجلين والعينين والأذنين وغير ذلك من الحواسّ ، وما ألهمها الله من طريق فجورها لتتركه ، وطريق تقواها لتلزمه ، فعرفت ذلك بأدلّة الله ، وعلى القول الثاني : ونفس ومن سوّاها ، فبيّن لها ما تأتي ، وما تبقي ، وخذلها للفجور.
قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) ؛ جواب القسم ، يقول : قد فاز ونجا من طهّر نفسه بالإيمان والطاعة فصار زاكيا طاهرا بنعيم الجنة ، (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠) ؛ أي وقد خسر من دسّ نفسه ؛ أي أهملها في الكفر والمعاصي.
ويقال : معناه : قد أفلح من زكّى الله نفسه ؛ أي أصلحها الله وطهّرها من الذنوب ووفّقها للتقوى ، وقد خاب وخسر من دسّاها ، دسّا الله نفسه أي شهرها وأخذلها وأحملها وأخفى محملها حتى عملت بالفجور وركبت المعاصي. وقيل : معنى (دسّاها) أغواها وأضلّها وأثّمها وأفجرها. وقال ابن عبّاس : «أهلكها».
__________________
(١) هو معنى قول الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٥ ص ٢٥٣ ؛ قال : (وقيل : معنى (ما) ههنا معنى (من).) وأصله قاله الطبري في جامع البيان : ج ٣٠ ص ٢٦٣.
(٢) النساء / ٣.
(٣) النساء / ٢٢.