وقوله (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) معناه : لا يعرفون حقّ اليتيم بالعطيّة والصدقة ، ولا يحفظون ماله عليه ، وفي هذا بيان أنّ إهانة الله إنما تكون بالمعصية لا بما توهّم الكافر. وروي أنّ هذه الآيات نزلت في أميّة بن خلف ، كان في حجره يتيم كان لا يحسن إليه ولا يعرف حقّه.
ومعنى (كلّا) ردّ عليه ؛ أي لم أبتليه بالغنى لكرامته عليّ ، ولم أبتليه بالفقر لهوانه عليّ ، والفقر والغنى من تقديري وقضائي ، فلا أكرم (١) من أكرمته بالغنى ، ولا أهين من أهنته بالفقر ، ولكني أكرم من أكرمته بطاعتي ، وأهين من أهنته بمعصيتي. قيل : معناه : أهنت من أهنت من أجل أنه لم يكرم اليتيم ، قال صلىاللهعليهوسلم : [أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة](٢). وقال : [كافل اليتيم كالصّائم لا يفطر ، وكالقائم لا يفتر](٣) ، و [من مسح على رأس يتيم تعطّفا عليه ، كتب الله له بكلّ شعرة مرّت عليها يده عشر حسنات](٤). وقال عيسى عليهالسلام : «الفقر مشقّة في الدّنيا مسرّة في الآخرة ، والغنى مسرّة في الدّنيا مشقّة في الآخرة».
قرأ ابن عامر (فقدّر عليه رزقه) بتشديد الدال ، وهما لغتان ، وكان أبو عمرو يقول : «قدر بمعنى قتّر ، وقدّر هو أن يعطيه ما يكفيه» (٥).
__________________
(١) في المخطوط : (فلا أكره) وهو غير مناسب. وأثبتناه كما في تفسير الثعلبي : ج ١٠ ص ٢٠١.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٦ ص ١٧٣ : الحديث (٥٩٠٥). والإمام أحمد في المسند : ج ٥ ص ٣٣٣. والبخاري في الصحيح : كتاب الطلاق : باب اللعان : الحديث (٥٣٠٤) ، وفي كتاب الأدب : باب فضل من يعول يتيما : الحديث (٦٠٠٥).
(٣) في مجمع الزوائد : باب ما جاء في الأيتام : ج ٨ ص ١٦٠ ؛ قال الهيثمي : (عن عائشة ... رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس ، وبقية رجاله ثقات). وأخرجه الطبراني في الأوسط : الحديث (٤٧٧٩).
(٤) في مجمع الزوائد : ج ٨ ص ١٦٠ ؛ قال الهيثمي : (عن أبي أمامة ... رواه أحمد والطبراني وفيه علي ابن يزيد الألهاني وهو ضعيف). وأخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٥ ص ٢٥٠ و ٢٥٦. والطبراني في الكبير : ج ٨ ص ٢٠٢ : الحديث (٧٨٢١).
(٥) في المخطوط : (وكان أبن عمر يقول ...) والصحيح كما أثبتناه ؛ قال الطبري : (وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول ...) وذكره. ينظر : جامع البيان : مج ١٥ ج ٣٠ ص ٢٢٨.