قوله تعالى : (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) (١٢) ؛ الذين أفرطوا في الظّلم والفساد والكفر والقتل بغير حقّ ، (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (١٣) ؛ أي صبّ عليهم لونا من العذاب. وقيل : وجع عذاب. وقيل : هذا على الاستعارة ؛ لأن السّوط عند العرب غاية العذاب ، يقال ساطه يسوطه سوطا ؛ إذا خلطه ، والسّوط مما يخلط الدم واللحم (١).
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١٤) ؛ أي بحيث يرى ويسمع ، وقال مقاتل : «يجعل رصدا من الملائكة يرصد النّاس على الصّراط معهم الكلاليب». وقال الضحاك : «بمرصد لأهل الظّلم والمعصية» (٢). وقال عطاء : «معناه : إنّ ربّك لا يفوته أحد ، وإنّه لا محيص عنه ، وهو عالم بهم وإليه المصير».
قوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ؛) معناه : فأمّا الإنسان الذي لا يعرف نعمة عليه عند سعة الرزق وتضييقه ، (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) (١٥) ؛ فيقول عند السّعة : ربي أكرمني بالمال والسّعة ، (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) (١٦) ؛ ويقول عند ضيق الرّزق عليه إذا كان رزقه على مقدار البلغة : ربي أهانني بالفقر ، وضيق المعيشة ، وأذلّني بذلك ، ولم يشكر الله على ما أعطاه من سلامة الجوارح.
قوله تعالى : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (١٧) ؛ أي حاشا أن يكون إكرام الله لعباده مقصورا على توسعة النّعم عليه ، وأن تكون إهانة الله لعباده مقصورة على تضييق الرزق عليهم ، بل يوسّع الله تعالى النّعم على من يشاء على ما تقتضيه الحكمة. قال الحسن : «أكذبهم جميعا ؛ يقول : ما بالغنى أكرمت ، ولا بالفقر أهنت».
__________________
(١) يريد أن الجلد بالسياط يخلط الدم واللحم في بدن المعذّب ؛ حين يضرب ؛ يقولون : ضرب فلان بالسّياط ، وهو ما تسبب في ظهور الازرقاق في الجلد بعد حين بسبب اختلاط الدم باللحم تحت الجلد : جامع البيان : التأويل في الأثر (٢٨٧٨٧) وما بعده.
(٢) أخرجه بمعناه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٨٧٩٠).