صيحة عظيمة من السّماء فهلكوا ولم يبق منهم أحد ، ولم يدخل شدّاد ولا أحد من قومه تلك المدينة ، ولم يقدر أحد على دخولها إلى يوم القيامة ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ولا يبلغها أحد غيره أبدا.
قال معاوية : فهل تقدر أن تصفه يا أبا إسحق؟ قال : نعم ؛ هو رجل أحمر قصير ، على حاجبه خال وعلى عنقه خال ، يخرج في طلب إبل له فيقع على تلك المدينة ، فيدخلها ويحمل شيئا مما فيها ، وكان الرجل حينئذ مختفيا عند معاوية ، فقام ليذهب ، فالتفت كعب التفاتة فرآه ، فقال : هو هذا يا أمير المؤمنين. فقال له معاوية : لقد فضّلك الله يا كعب على غيرك من العلماء. فقال : يا أمير المؤمنين ما خلق الله شيئا في الدّنيا إلّا وقد فسّره في التّوراة لعبده موسى عليهالسلام (١).
قوله تعالى : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) (٩) ؛ معناه : ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب ذات العماد ، (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) وهم قوم صالح ، كانوا يقطعون الصخر ، وينحتون من الجبال بيوتا آمنين بقرب المدينة التي كانوا نازلين فيها ، ومعنى قوله (بالواد) القرى. قال أهل التفسير : أوّل من جاب الصّخر ؛ أي قطع الصّخور ، ونحت الجبال والرّخام ثمود.
قوله تعالى : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) (١٠) ؛ عطفا على ثمود. واختلفوا في معنى (ذِي الْأَوْتادِ) قال بعضهم : معناه : ذو الجنود والجموع. وقال بعضهم : ذو الملك الثابت ، وجنوده الذين كانوا يشدّون أمره ، سموا أوتادا ؛ لأنّ قوامه بهم. ويقال : معناه : أنه كان إذا غضب على أحد مدّه على الأرض ، ووتّد على رجليه ويديه ورأسه على الأرض بأربعة أوتاد حتى يموت ممدّا (٢) كما فعل بأمر امرأته آسّيّة (٣).
__________________
(١) لا أظن إلا أن هذه القصة مختلقة من نسج خيال القصّاص وأوهام خيالاتهم ، بل ربما لتنفث فكرة القدرية الغيبية في أذهان عامة المسلمين ، وكنت أرجو أن يترفّع أهل التفسير عن ذكر مثل هذه الإسرائيليات التي أفسدت أذهان عامة المسلمين وأضعفت الفهم للاسلام في عقولهم.
(٢) في المخطوط : (مدبا).
(٣) أخرج الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٨٧٨٣): (عن أبي رافع قال : أوتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد ، ثم جعل على ظهرها رحا عظيمة حتى ماتت).