وجواب (إذا) في هذه السّورة محذوف ؛ تقديره : رأى الإنسان عند ذلك ما قدّم من خير أو شرّ ، وقيل : جوابه : فملاقيه ، والمعنى : إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان كدحه وهو عمله. وقيل : جوابه : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) ؛ تقديره : إذا السّماء انشقّت لقي كلّ كادح ما عمله.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٦) ، اختلفوا في الخطاب لمن هو ، فروى عبد الله بن عمران : أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية ثمّ قال : [أنا ذلك الإنسان ، أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ، فأجلس جالسا في قبري ، ثمّ يفتح لي باب إلى السّماء بحيال رأسي حتّى أنظر إلى عرش ربي ، ثمّ يفتح لي باب إلى الأرض السّفلى حتّى أنظر إلى الثّور والثّرى ، ثمّ يفتح لي باب عن يميني حتّى أنظر إلى الجنّة وإلى منازل أصحابي ، وأنّ الأرض تتحرّك تحتي فأقول لها : ما لك أيّتها الأرض؟ فتقول : إنّ ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي وأن أتخلّى ، فأكون كما كنت إذ لا شيء فيّ](١).
والمعنى على هذا القول : إنّك عامل لربك عملا فملاقي ربّك ترجع إليه فيجازيك. وقال بعضهم : الخطاب للمكذّب بالبعث ، وهو أبيّ بن خلف الجمحيّ ، والمعنى : إنّك عامل عملا في كفرك ، فتردّ إلى ربك في الآخرة ، فتلقى جزاء عملك.
والظاهر : أنّ الخطاب لجميع الناس. والكدح في اللّغة هو السّعي الدّؤوب في العمل في الدنيا والآخرة ، قال الشاعر (٢) :
فما الدّهر إلّا تارتان فمنهما |
|
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح |
والمعنى : أيّها الإنسان سترى جزاء ما عملت من خير أو شرّ ، فانظر اليوم ماذا تعمل وفيم تتعب نفسك ، فلا تعمل إلّا لله حتى تستريح من الكدح.
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٨ ص ٤٥٦ عزاه السيوطي إلى أبي القاسم الختلي في الديباج عن ابن عمر ، وذكره مختصرا.
(٢) ذكره الزجاج في معاني القرآن : وإعرابه : ج ٥ ص ٢٣٥ ، وهو ت ميم بن أبي بن مقبل (٧٠ ق. ه ـ ٣٧ ه).