قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) (٨) أي من أعطي ديوان عمله بيمينه ، فسوف يحاسب حسابا هيّنا. والحساب الهيّن : هو أن يعرف جزاء عمله ، وما له من الثواب ، وما يحطّ عنه من الوزر ، وخرج ما عليه من المظالم ، (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) ، أي فينقلب إلى أهله من الحور العين وأقربائه من المؤمنين ، (مَسْرُوراً) (٩) ؛ بهم ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله أيحاسب المؤمن؟ قال : [يا عائشة من حوسب عذّب] قالت : قلت : يا رسول الله (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) ، قال : [يا عائشة ليس ذلك الحساب ، إنّما ذلك العرض ، من نوقش الحساب عذّب](١).
قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) (١٠) ؛ يعني الكافر تكون يمينه مغلولة إلى عنقه ، وتلوى يده اليسرى من ورائه ، فيدفع إليه كتابه من ورائه ، فإذا رأى إلى ما فيه من سيّئاته ، (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) (١١) دعا بالويل والثّبور على نفسه : واويلاه ؛ واثبوراه. والثّبور : الهلاك. وقوله تعالى : (وَيَصْلى سَعِيراً) (١٢) ؛ أي يدخل نارا موقدة ، قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائيّ (ويصلّى) بضمّ الياء وتشديد اللام على وجه المبالغة ؛ أي يكثر عذابه في الآخرة.
قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (١٣) ؛ أي كان مسرورا في أهله في الدنيا بمعاصي الله ، وكان لا يحزنه خوف القيامة ، وكان يمنعه السّرور في أهله عن إقامة فرائض الله. قوله تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) (١٤) ؛ معناه : إنه ظنّ في الدّنيا أن لا يرجع إلى الله في الآخرة ، فلذلك كان يركب المآثم ، والمعنى : أنه ظنّ أن لن يرجع إلى الله تعالى.
وقوله تعالى : (بَلى ؛) أي ليس كما ظنّ ، بل يحور إلينا ويبعث ؛ أي بلى ليرجعنّ إلى ربه بعد البعث ، (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) (١٥) ؛ أي عالما به قبل أن يخلقه بأنّ مرجعه ومصيره إليه. والحور في اللغة : هو الرجوع.
__________________
(١) أخرجه الطبري باسانيد في جامع البيان : الحديث (٢٨٤٥٩).