وعن مالك بن دينار قال : «دخلت على جار لي ، وقد نزل به الموت ، فجعل يقول : جبلين من نار جبلين من نار ، قلت : ما تقول؟! قال : يا أبا يحيى كان لي مكيالان أكيل بأحدهما وأكتال بالآخر ، قال : فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر ، فقال : يا أبا يحيى كلّما ضربت أحدهما بالآخر ازداد عليّ عظما ، قال : فمات في مرضه ذلك» (١).
وقال عكرمة : «اشهدوا على كلّ كيّال ووزّان أنّه في النّار» ، قيل : إنّ ابنك كيّال أو وزّان ، قال : «اشهدوا أنّه في النّار». وكان ابن عمر يمرّ بالبائع فيقول له : «اتّق الله وأوف الكيل والميزان بالقسط ؛ فإنّ المطفّفين يوقفون يوم القيامة حتّى أنّ العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم» (٢). ومرّ عليّ رضي الله عنه على رجل يزن الزّعفران فقال : «أقم الوزن بالقسط ، ثمّ أرجح بعد ذلك ما شئت» (٣).
قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) (٧) ؛ أي ليس الأمر على ما يظنون أنّهم لا يبعثون ليوم عظيم ، وقيل : إن (كلّا) هاهنا كلمة ردع وزجر ؛ أي ارتدعوا عن التطفيف. قوله تعالى : (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) يعني الكتاب الذي يكتب فيه أعمالهم ، قال ابن عبّاس : «السّجّين صخرة سوداء تحت الأرض السّابعة ، وهي الّتي عليها الأرضون ، مكتوب فيها عمل الفجّار». عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : [سجّين جبّ في جهنّم مفتوح ، والفلق جبّ في النّار مغطّى](٤).
قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) (٨) ؛ تعجّب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : ليس ذلك مما تعلمه أنت ولا قومك ؛ لأنّكم لم تعاينوه ، ثم فسّره فقال : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) (٩) ؛ أي مثبت عليهم في تلك الصّخرة كالرّقم في الثوب لا ينسى ولا
__________________
ـ ج ٣ ص ٦٥ ؛ قال الهيثمي : (رواه الطبراني في الكبير وفيه إسحق بن عبد الله المروزي لينه الحاكم وبقية رجاله موثوقون وفيهم كلام).
(١) ذكر القرطبي القصة أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ٢٥٣.
(٢) نقله الثعلبي عن نافع عن ابن عمر ، كما في الكشف والبيان : ج ١٠ ص ١٥١.
(٣) هذه الآثار ذكرها الثعلبي في الكشف والبيان : ج ١٠ ص ١٥٠ ـ ١٥١. والقرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ٢٥٣.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٨٣٧١) عن أبي هريرة.