ضوؤه حتى يصير نهارا بيّنا ، ومنه تنفّس الصّعداء ، ومنه امتداد نفس الخوف بالخروج من الأنف والفم.
ثم ذكر جواب القسم فقال :
قال تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (١٩) ؛ يعني القرآن أتى به جبريل عليهالسلام من عند الله وهو رسول كريم ، فقرأه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله تعالى : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (٢٠) ؛ يعني جبريل عليهالسلام ذي قوّة فيما كلّف وأمر به ، ومن قوّته أنه قلب قرى قوم لوط وهي أربع مدائن ، في كلّ مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري ، فحملهم من الأرض السّفلى بقوادم جناحه ، ورفعها إلى السّماء حتى سمع أهل السّماء أصوات الدّجاج ونباح الكلاب ، ثم قلبها بأمر الله فهوت بهم ، كلّ هذا من غير كلفة لحقته.
قوله تعالى : (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) عند خالق العرش ومالكه ، وحيه رفيع القدر ، يقال : فلان مكين عند الأمين ؛ أي ذو قدر ومنزلة. قوله تعالى : (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) (٢١) ؛ أي مطاع في السّموات ، يطيعه أهل السّموات بأمر الله تعالى ، يقال : فرض طاعته على أهل السّماء كما فرض طاعة النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الأرض على أهل الأرض. وقوله (أمين) أي فيما يؤدّي عن الله إلى أنبيائه عليهمالسلام ، حقيق بالأمانة فيه ، لم يخن ولم يخون.
قوله تعالى : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (٢٢) ؛ يعني محمّدا صلىاللهعليهوسلم والخطاب لأهل مكّة ، وذلك أنّهم قالوا : إنّ محمّدا مجنون ، فأقسم الله تعالى أنّ القرآن نزل به جبريل ، وأنّ محمّدا ليس بمجنون كما قالوه ، وفي هذا بيان غاية جهل قريش حيث نسبوا أعقل خلق الله إلى الجنون. والمجنون في اللغة : هو المغطّى على عقله لآفة نزلت به.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) (٢٣) ؛ أي ولقد رأى محمّد جبريل بالأفق الأعلى وهو مطلع الشّمس الذي يجيء منه النهار ، وقد تقدّم في سورة النّجم : أنّ جبريل عليهالسلام كان يأتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صورة دحية الكلبيّ ، وأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لم ير جبريل في صورته الّتي هو عليها إلّا مرّتين.