قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) (١٥) ؛ معناه أقسم برب الخنّس ، و (لا) في هذا الموضع مؤكّدة زائدة ، وقوله تعالى : (الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (١٦) ؛ أي الجارية في الأفلاك ، وتخنس في مجراها ؛ أي ترجع إلى مطالعها في سيرها ، ثم تستتر عند غروبها ، فتغيب في المواضع التي تغيب فيها كما تكنس الظّباء بأن تستتر في كناسها.
والخنس : هو التأخّر ، ومنه الخنس في الأنف تأخّره في الوجه ، يقال : رجل أخنس والمرأة خنساء ، وسمي الأخنس بن شريف بهذا الاسم لتأخّره عن يوم بدر عن أصحابه. ومنه الخنّاس وهو الشيطان ؛ لأنه يغيب عن أعين الناس. والخنّس : جمع خانس ، وهي النجوم الخمسة : زحل والمشتري والمرّيخ والزّهرة وعطارد ، تجري في الأفلاك وتخنس في مجراها ؛ أي ترجع إلى مجراها في سيرها.
وروي : أنّ رجلا من خثعم جاء إلى عليّ رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين ما الخنّس؟ قال : «ألست رجلا عربيّا؟!» قال : بلى ، ولكن أكره أن أفسّر القرآن على غير ما أنزل؟ ، فقال : «الخنّس هي النّجوم الخمسة : الزّهرة والمشتري وبهرام (١) وعطارد وزحل».
فقال : ما الكنّس؟ قال : «مستقرّهنّ إذا انقبضن ، وهنّ الجواري تخنس خنوس القمر ، يرجعن وراءهنّ ولا يقدمن كما يقدم النّجوم ، وليس من نجم غيرهنّ إلّا يطلع ، ثمّ يجري حتّى يقطع المجرّة» (٢). وقيل : معنى خنوسها أنّها تستتر بالنّهار فتخفى ، وتنكس في وقت غروبها.
قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) (١٧) ؛ أي إذا أقبل بظلامه ، وقيل : إذا أدبر بظلامه. والعسّ : طلب الشّيء بالليل ، ومنه العسس ، ويقال : عسعس الليل إذا أقبل ، وعسعس إذا أدبر ، وهو من الأضداد ، إلّا أنّ ما بعد هذه الآية دليل على أنّ المراد به أدبر ، وهو قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (١٨) ؛ أي إذا امتدّ
__________________
(١) بهرام : هو المريخ.
(٢) لم أقف عليه بنصه ، وبمعناه نقل القرطبي في الآثار (٢٨٢٧٢ و ٢٨٢٧٣) عن علي رضي الله عنه.