وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبريل : [إنّي أحبّ أن أراك في صورتك الّتي تكون عليها في السّماء] قال : لن تقوى على ذلك ، قال : [بلى] قال : أين تشاء أتخيّل لك ، قال : [بالأبطح] قال : لن يسعني ، قال : [بمنى] قال : لا يسعني ، قال : [بعرفات] قال : فهبط جبريل بعرفات بخشخشة وكلكلة (١) قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ، ورأسه في السّماء ورجلاه في الأرض ، فخرّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم مغشيّا عليه ، فتحوّل جبريل في صورة دحية وضمّه إلى صدره ، وقال : يا محمّد لا تخف ، فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه تحت العرش ورجلاه في التّخوم السّابعة والعرش على كاهله (٢).
قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (٢٤) ؛ قال بعضهم : أراد به جبريل ليس بمتّهم على تبليغ الوحي والرسالة ولا تخيّل ، بل هو صادق موثوق به. وقال بعضهم : أراد به النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بقوله (على الغيب) أي على الوحي ، وقرأ الحسن والأعمش وعاصم وحمزة ونافع وابن عامر (بضنين) بالضاد ، وكذلك هو في مصحف أبيّ بن كعب ، ومعناه : وما هو على الغيب ببخيل ، لا يبخل عليكم ، بل يعلّمكم وتخبركم به ، تقول العرب : ضننت بالشّي بكسر النون فأنا به ضنين ؛ أي بخيل ، قال الشاعر (٣) :
أجود بمضنون التّلاد وإنّني |
|
بسرّك عمّن سألني لضنين |
وقرأ الباقون بالظّاء ، وهي قراءة ابن مسعود وعروة بن الزّبير وعمر بن عبد العزيز ، ومعناه : (بمتّهم) ، والمظنّة التّهمة (٤).
__________________
(١) في المخطوط : (كبكبة).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ٢٤١ ؛ قال : (وحكى الثعلبي عن ابن عباس). وأخرجه الثعلبي في الكشف والبيان : ج ١٠ ص ١٤٢. ومقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٤٥٧.
(٣) قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي (ت ٢ ق. ه). وعند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن :
أجود بمكنون الحديث وإنّني |
|
بسرّك عمّن سألني لضنين |
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٨٣٢٠) عن ابن عباس ، و (٢٨٣٢١) عن ابن جبير ، و (٢٨٣٢٢) عن إبراهيم ، و (٢٨٣٢٣) عن الضحاك.